منح- شؤون عمانية:
أعلنت “مؤسسة العمارة العريقة للتعمير” والتي اسند اليها اعمال تشغيل المشروع من قبل ” الشركة العمانية للتنمية السياحية” (عمران) عن الافتتاح المبدئي لمشروع “حارة البلاد” في ولاية منح والذي يستخدم الموروث المعماري للحارات القديمة ضمن الاستخدامات السياحية وهو الأول من نوعه.
و تتفرد “حارة البلاد” بولاية منح الحارة الأكبر بالسلطنة بالكثير من السمات المعمارية والتاريخية والثقافية المميزة.
تعرف “حارة البلاد” بولاية منح بمحافظة الداخلية بأنها واحدة من أكبر الحارات العمانية الأثرية القديمة لاحتوائها على 376 بيتاً وقرابة 250 بئرًا وما زالت محافظة على طابعها المعماري العماني رغم مرور أكثر من تسعة قرون على تشييدها بأياد عمانية مهرة حيث ظلت جدرانها وتقسيماتها صامدة حتى وقتنا الحالي. و”حارة البلاد” يعود تاريخ بناؤها إلى حوالي القرن الخامس الهجري، حيث يعتبر العلامة الشيخ نجاد بن إبراهيم من أوائل الذين سكنوا الحارة وأسسوا بها “محلة اليمانية” سنة 470 هجرية وقد أطلق عليها عدة مسميات كـ “حصن منح” و”حصن بن نجاد” وقد قامت في هذا الحصن حركة علمية نشطة رافقتها حركة نسخ للكثير من الكتب والموسوعات الفقهية، هذا ما أشار إليه الباحث التاريخي خلفان بن سالم البوسعيدي من سكان ولاية منح في كتابه ” الهبات والمنح في تاريخ أهل منح “.و”حارة البلاد” كانت شاهدة على إصرار الآباء والأجداد الذين كافحوا وتحدوا الصعاب لعيش كريم يضمن لهم ولأجيالهم حياة مستقرة فوضعوا بصماتهم على هذا الفن المعماري بتفاصيله الجميلة ليبنوا ” حارة البلاد ” , فن أورثه الأجداد والآباء لأحفادهم فاجتمعت الأسرة الواحدة والأقارب والأهالي في الحارة الكبيرة.
وتقع ” حارة البلاد ” في وسط ولاية منح بطابعها المعماري الذي يمثل نموذجا للقرى والحارات العمانية الأثرية القديمة، والزائر لها عند دخوله من الباب الرئيسي من الجهة الشمالية يجد باب الصباح الذي شيد على مقربة من سوق الولاية بالإضافة إلى الأبواب الأخرى المنتشرة على أنحاء الحارة كـ”باب القصاب” و”باب النصر” و”بابي الرولة والبرج” و”باب الدعجين”.ومن داخل الحارة يبرز الممر الطويل الذي يقسم الحارة إلى نصفين شرقي وغربي مرورًا بالدهاليز والزوايا والممرات والأزقة الضيقة والشرفات والأقواس والسبلات والمجالس العامة مثل سبلة أولاد راشد، وسبلة المطيلع، وسبلة البستان التي كان يلتقي فيها أهالي الحارة قديما يتجاذبون أطراف الحديث ممثلة أحد الموروثات العمانية، كما توجد مدارس تحفيظ وتدريس القرآن الكريم و”التنّور” الذي كان يستخدم في أوقات المناسبات وعددٌ من العيون المائية كـ”عين بني نجاد ” نسبة إلى الشيخ العلامة نجاد بن إبراهيم إضافة إلى وجود عين البلاد وهي موقوفة لبيت مال المسلمين.
وفي مجال الدفاع وحماية الحارة فالحارة لها سورها الحصين الذي يحيط بها من جميع الجهات، حيث كان الأهالي يهتمون بهذا السور لكونه الخط الدفاعي الأول لهم وللحارة من الاخطار، إلى جانب الأبراج الدفاعية المنتشرة والتي تأخذ شكلا اسطوانيا بعضها مبني من الطين والآخر من الجص وهي متلاحمة مع الأسوار وتتكون من عدة طوابق وبها عدة فتحات ونوافذ تستخدم من أجل الدفاع ومراقبة العدو.
وفي الجانب الشمالي من الحارة يوجد برج “الجص” ويعتبر أعلى قمة يراها القادم إلى ولاية منح من الشرق أو الجنوب وهو رباعي الشكل ذو انخراط عمودي مبني من الحصى والجص ومنه أخذ اسمه ويقع في مركز الولاية (البلاد) وقد تأثر طابقه السادس بعوامل الطقس فتهدمت بعض أجزائه كما يوجد بالطابق الثالث مدفع ضخم يطل من إحدى النوافذ كان يستخدم للدفاع ووسيلة لتنبيه المواطنين بحلول المناسبات الدينية والوطنية.
وتضم “حارة البلاد” أربعة مساجد أثرية موزعة على امتداد ممرها الوسطي ـ العالي، والعين، والشراه، والرحبة وقال الدكتور “إيروس بلديسيرا” أستاذ الأدب العربي بجامعة البندقية بإيطاليا مؤلف كتاب” الكتابات في المساجد العمانية القديمة” بأن مسجد العالي يعود تاريخ بناء محرابه إلى سنة 909 هجرية ويتميز ببنائه البسيط ومكعب الشكل وعرض محرابه يناهز المترين والنصف وارتفاعه أربعة أمتار، أما مسجد العين فيعود تاريخ بناء محرابه إلى سنة 911 هجرية ويبلغ عرضه المترين وارتفاعه الأربعة أمتار وتعتمد زخرفة إطاره الخارجي المستطيل على 21 ختما تتخللها دوائر صغيرة أصغر حجما تغوص كلها عن داخل زخارف تنم عن خيال وذوق رفيع، وعلى مقربة من مسجد العين يأتي مسجد الشراه الذي يعود محرابه إلى سنة 922 هجرية ويزيد عرضه على المترين والنصف وارتفاعه الخمسة أمتار.
وقد كانت لحرفة النقش على محاريب المساجد عدد من المدارس التعليمية السائدة في تلك الفترة، فقد عرفت منح في القرن العاشر الهجري عددا من النقاشين المهرة المشهود لهم بالكفاءة وبدقة التصميم والنقش على هذه المحاريب أشهرهم عبدالله الهميمي صانع محاريب المساجد.