الكاتبة: فايزة محمد
عندما نذكر المعاناة والألم عند الشعراء والأدباء والمثقفين، فلا بد أن نذكر منهم الشاعرة الإيرانية (فروغ فرخزاد)، التي رحلت عن الدنيا، وهي في ريعان شبابها، وتحديدًا كان عمرها 32 سنة فقط، إثر حادث سيارة تعرضت لها، بتاريخ: 13 فبراير 1967م، في منطقة دربند السياحية الجميلة في طهران؛ عندما اصطدمت سيارتها بباص مدرسة، فنقلت بعدها إلى المستشفى، ولكن القدر لم يمهلها فتوفيت هناك مباشرة، ويبدو أن الرحيل المبكر هو قدر شاعرات إيران الكبار؛ فقد رحلت الشاعرة (بروين اعتصام الملك) -المعروفة ببروين اعتصامي- أيضا، عام 1941 بمرض الحصبة، ولم تكن قد تجاوزت الخامسة والثلاثين، ولكنها تركت شعرًا زاخرٍا بالمعاني الإنسانية.
اتسمت معظم سنوات فروغ فرخزاد بالألم والمعاناة، فقد تزوجت، وكان عمرها ستة عشر عاما فقط، من رسام الكاريكاتير (برويز شابور)، الذي كان يكبرها بخمسة عشر عاماً، ولكن هذا الزواج لم يمنعها من إطلاق موهبتها الشعرية، وإصدار ديوانها الأول “الأسيرة”، فهل كانت فرخزاد تتحدث عن أَسْر الزواج في عمر مبكر؟، تقول فرخزاد في بعض أبيات القصيدة:
أنا طيرة أسيرة
أنا شمعة باحتراق قلبها
يمكنها أن تنير بيتا مهجورا
ولو أردت أن أنطفئ أخذل بيتاً بأكمله
وتصف فروغ هذا الزواج، في رسالة لها: “ذلك الحب والزواج المثير للسخرية في السادسة عشر – من العمر- زلزل أسس مستقبلي، لم يكن (إلى جواري) قط في حياتي أي مرشد، لم يتول أحد توجيهي فكرياً وروحياً، كل ما بحوزتي من ذاتي، وكل ما أمتلك هي تلك الأشياء التي كانت باستطاعتي أن أمتلكها لولا أن الانحرافات وعدم فهم الذات وأزمات الحياة منعتني من الوصول إليها”(1)، وسرعان ما انفصلت عن زوجها وعادت إلى طهران، لتعيش آلاماً نفسية عميقة، خاصة بعد الابتعاد عن طفلها (كاران)، مما تسبب في مكوثها في مستشفى للأمراض النفسية.
كانت فرخزاد تعيش آلام المجتمع ومعاناة الطبقات الكادحة والمحرومة في المجتمع؛ فقد كانت واحدًا منهم، ولذا كانت تهاجم كثيرا الشعراء، الذين لا يهتمون بآلام المجتمع وأوجاع الشعب، وإنما ينحصر اهتمامهم “بتزيين وتزويق تفاهاتهم ونقاط ضعفهم، والسبب في هذا أنهم في الحقيقة لا يعانون من ألم عظيم، أو أنهم لا يشعرون بألم عظيم”(2) ، وتستثني فروغ بعض الشعراء الإيرانيين، مثل: أحمد شاملو، ونيما، ومهدي أخوان زاده، وأميد.
وفي أجوبتها على أسئلة وجهت إليها، تقول فروغ مبدية إعجابها بشعر حافظ الشيرازي: “أجد في شعره نفس سكرة كأس الشراب، وأشعر في قراءتها نفس الحرارة والمتعة التي أتمناها”، وتقول أيضا: “أحب الموسيقى، وأفضل الموسيقى الإيرانية على الموسيقى الكلاسيكية، أحب الموسيقى الإيرانية لما فيها من حزن وشجن، فأنا أساساً أعشق الحزن والتلذذ بالعذاب”(3)، ولذا فلا عجب أن نقرأ في سيرتها الذاتية وقصائدها الحزن والعذاب، وكتبت مرة: ” فكري مضطرب وقلبي مكتئب، فقد تعبت من دور المتفرجة، ما إن أعود إلى المنزل وأختلي بنفسي، حتى أشعر فوراً بأنني بددت كل نهاري تائهة ضائعة في جملة من الأشياء الفانية التي لا صلة لها بي، أشعر بين هؤلاء الناس الذين هم من كل صنف بوحدة قاسية حتى يكاد الحزن والانقباض في بعض الأحيان يمزقان حلقومي” (4)
ولم تكن فروغ تعيش متاعب نفسية وروحية فقط، وإنما كانت رغم شهرتها الأدبية تعيش أحوالاً مادية سيئة، وربما كان ذلك من جملة الأسباب في حالة الاكتئاب والتمرد التي كانت تعيش فيها، حيث تقول في إحدى رسائلها: “إنني أعيش ظروفا مالية صعبة، كثيرًا ما أجد نفسي وسط الشهر من دون مال ومن دون أي شخص يعينني، الآن منتصف الشتاء ولا أمتلك مدفأة إلى الآن، أعمل تحت ضغط الوحدة كالكلب، هكذا الحياة، أنت دائما وحيدة، تفترسك الوحدة وتحطمك، ملامحي تبدو محطمة وشعري مبيض، والتفكير في قادم الأيام يخنقني”(5).
وبما أن فرخزاد كانت تعيش في حالة من العزلة والاكتئاب والتشاؤم، وخاصة بعد انفصالها عن زوجها وحرمانها من ولدها وكذلك طردها من بيت العائلة بسبب قصيدة كتبتها، فلا نعجب عندما نقرأ في سيرتها أنها حاولت الانتحار عندما ابتعلت مجموعة من أقراص كاردنال في وقت واحد، وتم نقلها إلى المستشفى وهي غائبة عن الوعي(6).
ورغم السوداوية التي كانت تعيشها، وطابع التمرد في شعرها، وعمرها القصير، فقد استطاعت فروغ فرخزاد أن تترك خمس مجموعات شعرية، هي: الأسيرة، الجدار، العصيان، ولادة أخرى، فلنؤمن بطليعة الموسم البارد( طبعت سنة 1974بعد وفاتها )، بالإضافة إلى العديد من الأفلام الوثائقية.
المصادر:
1-فروغ فرخزاد، ت. خليل علي حيدر، مختارات من ديوان شعر الأسيرة، سلسلة إبداعات عالمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والعلوم، أبريل 2009، ص 45
2- ت. خليل علي حيدر، نصوص نثرية، مقابلات، رسائل، رحلات فروغ فرخزاد، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2017 م،162
3- نصوص نثرية ص 36
4-فروغ فرخزاد ،ن. م، ص 54
5-ن. م ص 55
6- ن. م ص 54