شؤون عمانية: جمانة اللواتي
بدأ العام الدراسي الجديد الشهر الماضي، مع ارتفاع الأصوات التي تنادي وتستنكر الرسوم الدراسية العالية التي تفرضها المدارس الخاصة، والتي تزداد مع كل صف دراسي متقدم، هذا الاعتراض ليس حديثاً ولكن يعود ليتأجج في كل عام، مع مطالبات أولياء الأمور لتدخّل وزارة التربية والتعليم لوضع معايير معينة؛ للحد من هذا الارتفاع الكبير.
جديرٌ بالذكر أن هذه المطالبات انتشرت في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وبالإمكان الوصول إليها بكبسة زر، فبمجرد كتابة جملة: (المدارس الخاصة في سلطنة عُمان)، في محرك البحث؛ سيُتاح – للباحث عن الموضوع – التقصي ومعرفة الاستياء لدى أولياء الأمور.
ومع هذا الاستنكار الصريح؛ نجد أن الكثير من الأسر ما زالت حريصة على أن يتعلم أبناءها في مدارس خاصة، وترفض رفضاً قاطعًا أن ينتقل أبناءها إلى مدرسة حكومية، لتستريح من عناء هذا المصرف الكبير الذي يثقل كاهل الأسرة العُمانية، والتي من المعروف إلى أي حد يمكن أن يصل متوسط دخلها، لماذا يا ترى؟ شؤون عمانية تحقق في الأسباب.
(اللغة الإنجليزية هي السبب)
تقول سمر اللواتي: نعم أعتقد أن رسوم المدرسة الخاصة تعدُّ غالية، ولكن أعتقد أن السبب يعود إلى رسوم الكتب البريطانية التي تأتي من جامعة كامبريدج، كما أن ما تتيحه المدرسة الخاصة غير متاح للأسف في المدارس الحكومية، شخصياً درست في مدارس حكومية؛ وعانيت كثيراً عند انتقالي للمرحلة الجامعية، حيث أن منهاج اللغة الإنجليزية كان بسيطاً جداً لا يؤهّل الطالب للمرحلة الجامعية، لذلك أحرص على أن يدرس ابني في مدرسة خاصة؛ لأنها تولي اهتمامًا بتدريس المواد العلمية، ومادة تقنية المعلومات باللغة الإنجليزية، واستخدام مناهج أجنبية متطورة، وهو ما يسهّل على الطالب الانتقال للمرحلة الجامعية. ومن تجربتي مع مدرسته أرى أنها تسعى إلى أن تعطي كل مادة حقها من التدريس، لذلك فإن مستوى ابني جيد في كل المواد التي تُدرس باللغة الإنجليزية، وكذلك اللغة العربية على حدٍ سواء.
من جانبها تأكد كوثر الراشدي على مسألة ارتفاع الرسوم الدراسية في المدرسة الخاصة، حيث تقول: الأسعار تعتبر عالية، بل مبالغ فيها، خاصة لمن لديهم عدد كبير من الأبناء، بالإضافة إلى الرسوم التي تستلمها المدرسة: للمواصلات، الكتب، وجبة الفطور، وكذلك وجبة الغداء، ولكننا مضطرون إلى ذلك، حيث أننا نحرص على أن يحظى أبناءنا بالاهتمام، واكتساب اللغة الإنجليزية، لأن المدرسة الخاصة تركّز على تدريس اللغة الإنجليزية بشكل مكثف، كما أن عدد الطلبة في الفصل الواحد أقل بكثير من عدد الطلبة في الفصول الدراسة بالمدارس الحكومية، أضف إلى ذلك التواصل المستمر بين المدرسة وأولياء الأمور، ووجود حصص الأنشطة والتركيز عليها، مثل: السباحة، والرياضة، والتي من شأنها كسر الروتين الدراسي المرهق.
(المدارس الحكومية لا تختلف على المدارس الخاصة)
أم سارة وأم محمد معلمتان في مدارسنا الحكومية بالسلطنة، وعلى الرغم من ذلك حرصتا على أن يتلقى أبناءهما تعليمهم في مدارس خاصة، هل يرجع السبب إلى قصورٍ في المدارس الحكومية؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه..
تقول الأستاذة أم سارة: أدخلت أولادي إلى المدارس الخاصة ليس بحجة أنها تؤهّلهم لدخول الجامعة، وإنما ليتقنوا اللغة الإنجليزية بشكل كبير، وحتى يكونوا أحسن حظًا منّا، حيث أننا تخرجنا من المدرسة الحكومية والجامعة ولدينا شحٌ كبير في مفردات اللغة الإنجليزية، رغم كونها لغة العصر، عدا ذلك فإن الآلية التعليمية في المدارس الحكومية في تطور مستمر وفعّال، وهناك توجّه كبير لاستخدام استراتيجيات التدريس التكنولوجية في الفصل، كما أن دائرة المناهج قد أحدثت نقلة كبيرة في تغيير مناهج بعض المواد، بحيث تتناسب مع ميول الطلاب ورغباتهم. لذا، فإن الأمر الوحيد الذي ينقص المدارس الحكومية هو منهاج اللغة الإنجليزية، وهو الشيء الذي تركز عليه المدارس الخاصة، الأمر الذي يدعو الكثير من أولياء الأمور على تدريس أبنائهم فيها، رغم مساوئها من التكلفة الباهظة، وقلة الاهتمام في تطوير مواهب الطلاب، أو بالأحرى اكتشافها، رغم قلة عدد الطلبة في الفصل الواحد وهذا من ملاحظتي الشخصية.
تؤكّد الأستاذة أم محمد على أن الاهتمام بمادة اللغة الإنجليزية هو السبب الرئيس لإدخال أبناءها إلى المدرسة الخاصة، حيث تقول: خلال السنوات الماضية هناك تطور للنهوض بالعملية التعليمية في المدارس الحكومية بحيث لا يتم الاعتماد على الكتب والسبورة وإنما ادخال تقنيات واستراتيجيات جديدة تساعد الطلبة على الفهم، ولكن القصور في المدارس الحكومية يتمثّل في نقص الكادر التعليمي الذي يتوجب وجوده منذ اليوم الأول في العام الدراسي، حتى يأخذ كل طالب حقه في التدريس، بالإضافة إلى قلة الاهتمام بمنهاج اللغة الإنجليزية على عكس المناهج في المدارس الخاصة التي تكون أشمل وأعمق.
( المدارس الخاصة ترد )
ومن منطلق أهمية الاستماع لرأي جميع الأطراف تواصلت شؤون عمانية مع العديد من المدارس الخاصة والتي ومع الأسف لم تبدِ تجاوباً واهتماما، والرد الوحيد الذي تلقته هو من مدرسة عزان بن قيس، والتي كان للصحيفة معها هذه المقابلة:
- يشتكي الكثير من أولياء الأمور من مسألة ارتفاع أسعار الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، بل أن البعض يقارن الأسعار برسوم دراسة الدكتوراه في دول متقدمة، بماذا تردون على ذلك؟
- هناك الكثير من المدارس الخاصة التي تقدم خدمات تعليمية مختلفًة، على الرغم من أن بعضها مكلف للغاية، غير أن هناك مدراس أسعارها معقولة وفي المتناول، لذا يجب على أولياء الأمور البحث عن مدرسة تكون معقولة من حيث التكلفة، وتقدم تعليمًا جيدًا في نفس الوقت، -مثل أي شيء آخر في الحياة- ويجب على أولياء الآمور اختيار المدرسة في حدود إمكانياتهم المادية المتاحة؛ لكي يضمنوا لأبنائهم مستقبلا متميزًا بين أقرانهم من أبناء المجتمع، ويحققوا ما يرنون إليه من تخصصات متميزة يطلبها سوق العمل.
- هل تُحدد لكم الوزارة سقفًا معينًا يجب عدم تجاوزه فيما يخص الرسوم المدرسية؟
- ﻧﻌم.. قبل زيادة الرسوم المدرسية يجب أولا تقديم طلب، وتقرير إلى وزارة التربية والتعليم، يوضّح به الأسباب، وبعد ذلك يتم إرسال ذوي التخصص لتقديم مبررات الرسوم المطلوبة إلى المدرسة، ويتم الأخذ بعين الاعتبار ما هو متاح لدى المدرسة من موظفين ومرافق وتجهيزات. وبناءً عليه يتم السماح للمدرسة بزيادة الرسوم الدراسية أو لا.
- يقال أن رسوم المدارس الخاصة العالية سببها تجاري بحت، أو لتغطية الإيجارات المكلفة، ما رأيكم؟
- هذه الرؤية بعيدة عن الواقع تماما، فلا شك أن جزءً من المصروفات لابد أن يغطي التكلفة الخاصة بالمعلمين ذوي الخبرات والكفاءات والمؤهلات المميزة، بالإضافة إلى التجهيزات العملية من مختبرات وقاعات دراسية، وكذلك المناهج الدراسية الدولية، التي لها رسوم إضافية، أما الايجار فهو جزءٌ صغير من هذه المصاريف. في النهاية فإن الربح المطلق ليس من أولويات المؤسسات التعليمية بقدر تقديم خدمة مميزة في متناول الجميع.
- يُجمع غالبية الأشخاص على تميز المدارس الخاصة في الاهتمام باللغة الإنجليزية، ويراها أبرز إيجابية، إذ أنها تؤهّل الطالب لدخول الجامعة، ولكن في الوقت ذاته ينتقد مسألة أن الطالب لا يكون مؤهلا للاندماج بعامة المجتمع، والانخراط به لاختلافه عنهم في جوانب لها علاقة بالمظاهر وطريقة التفكير والكلام وغيرها، ما رأيكم بذلك؟
- لا أتفق مع وجهة النظر المعروضة.. فجميع طلابنا يشاركون في خدمة المجتمع خلال سنوات دراستهم، كما أنهم يرتبطون مع الجمعيات الخيرية والأهلية التي تخدم أبناء المجتمع بمختلف طبقاته واحتياجاته.
- كيف ترون مستقبل التعليم في السلطنة بشكل عام والمدارس الخاصة بوجه خاص؟ هل يواكب التطور في العالم أم أن آلية التعليم ما تزال تقتصر على كون الطالب متلقٍ فحسب، ويجب عليه أن يبرع في جميع المواد لاسيما العلمية مهما كانت ميوله بعيده تماماً: فنية، سياسة، أوغيرها؟
- التعليم في السلطنة يشهد تقدما سريعا وملحوظا، ولا يقل جودة عن المدارس في مختلف أنحاء العالم، وهذا تثبته نتائج الامتحانات الدولية لطلابنا، حيث تقوم عملية التعلم على المشاركة الفاعلة من الطالب بعيداً عن التلقين، ويعتمد على البحث والاستقصاء والتوصل إلى الحلول، كما أحب أن أشير إلى أن خيارات المواد والتخصصات أصبحت تتميز بالتنوع، بحسب ما يطلبه سوق العمل.
أخيرًا..
مهما انخفضت رسوم التعليم في المدارس الخاصة؛ إلا أنها تبقى مطلبًا صعباً للكثير من الأسر المتوسطة وضعيفة الدخل، والتي من حق أبناءها نيل أجود أنواع التعليم الذي يستحقونه، فإن كانت المشكلة تتمحور في منهاج اللغة الإنجليزية أو دعونا نقول: (أبرز مشكلة)؛ فإن الحلول يجب أن تتوفر بسهولة لدى وزارة التربية والتعليم، وأن تعمل على هذه النقطة، التي لاقت إجماعًا من أولياء الأمور، حيث أنه من المؤكّد والمسلّم أن صلاح وتطور القطاع التعليمي يعني حتماً تطور الأجيال وتقدمهم.