العمانية:
نظم النادي الثقافي بمقره في القرم صباح اليوم ، ندوة أدبية بعنوان (الاحتفاء بتجربة الكاتب سيف الرحبي ) و تأتي ضمن جهود النادي الثقافي في ترسيخ الاهتمام بالأدباء العمانيين والاحتفاء بهم من خلال إبراز مسيرتهم الأدبية.
شارك في نخبة من الباحثين المتخصصين حيث نقبوا عن التجربة الأدبية للأديب الكبير، من خلال مناقشة محورين رئيسيين، حيث تناول المحور الأول التجربة الشعرية، أما المحور الثاني فتناول التجربة النثرية.
بدأت الندوة بشهادة قدمها الأستاذ أحمد الفلاحي، ذكر في بدايتها ما قاله الشاعر الكبير نزار قباني في حق الشاعر سيف الرحبي مقرا له بقوة الإبداع ومشيدا بأدبه وقدراته الرفيعة. حيث قال “كانت رحلتي العمانية كشفا لكبرياء الصخر وعنفوان البحر وتجليات الشعر إنها المرة الأولى التي أقابلك فيها فاكتشف كيف يتقابل الأصل والصورة في الشاعر الحقيقي وكيف يكون الكلام جميلا حين يسقط عنه أقنعة التشخيص والتلفيق والتثاقف الكاذب”.
وواصل أحمد الفلاحي شهادته بالقول إن “نورسة الجنون” كان بداية كتب شاعرنا وقد صدر في دمشق سنة 1980 تلاه “الجبل الأخضر” بعد فترة غير طويلة ولكن الشاعر يذكر أن “الجبل الأخضر” هو الأسبق كتابة من “نورسة الجنون” الذي نشر أولا . وبعد هذين الكتابين توالت العناوين متواصلة لم تتوقف عنوان يلحقه عنوان لم يكد يمضي عام إلا ويطل آخر جديد “أجراس القطيعة” “رأس المسافر” “مدية واحدة لا تكفي لذبح عصفور” “رجل من الربع الخالي” “يد في آخر العالم” “جبال” ” الصيد في الظلام” ” الجندي الذي رأى الطائر في نومه” “مقبرة السلالة” “قوس قزح الصحراء” “قطارات بولاق الدكرور” “ذاكرة الشتات” “أرق الصحراء” “حوار الأمكنة والوجوه” “منازل الخطوة الأولى” “حياة على عجل” “شجرة الفرصاد” “صالة استقبال الضواري” “رسائل في الشوق والفراغ” وربما كتب أخرى نسيتها وغابت عني.. عناوين ملفتة موحية تتابعت على مدى ست وثلاثين سنة متضمنة الكثير من الإبداع الراقي المتميز لغة وجملة وصورة وهي عناوين تتنافس موضوعاتها ولغتها على اجتذاب قارئها والسيطرة عليه فلا يجد انفكاكاً من سحرها إن فتح أحدها أمسكته الصفحات بقوة ولم تطلقه حتى يفرغ منها وذلك هو سر الكتابة البليغة الذي لا يستطيع بلوغه إلا النبغاء الأفذاذ من الناس موهبة فوارة تنطلق منسكبة تبعث الدهشة في من يقترب منها فياضة غزيرة الدفق والانصباب لا يدفعها دافع كأنها الوادي في غزارة جريانه يتحدر لإرواء الأرض وإخصابها وإظهار نباتاتها.
وأوضح الفلاحي بأن سيف الرحبي يصنف ضمن كتاب الحداثة ومنظريها ولكنه في الوقت نفسه غير منقطع أبدا عن التراث العربي وما فيه من شعر ونثر ومواريث متعددة يراها قارئه واضحة بينة في نصوصه يستشهد بأمثالها وحكمها وأبيات قصائدها إن كان المتنبي أو المعري أو البحتري أو الشعراء المتقدمون عليهم أو الآتون بعدهم كما يحتفي بالجواهري والشابي وناجي ونظرائهم من رموز عصره ومن عمان أبو مسلم وعبدالله الخليلي وخلفان بن جميل وسواهم هو في الحداثة ومعها ولكن دون انسلاخ عن التراث أو صد وانحراف عنه.
وأضاف الفلاحي: وهذا الشاعر والكاتب العماني الكبير هو أيضا احد رموز ما يطلق عليه الآن قصيدة النثر في الأدب العربي التي ذاعت وشاع أمرها ولقيت رواجا خلال السبعين سنة الأخيرة ومن خلاله وبعض رفاقه كان دخولها إلى عمان وهي لون من ألوان الكتابة الحديثة منها الرفيع الجيد المستوى ومنها ما هو دون ذلك حالها حال القصيدة العمودية غير أن هذه عمودها الأساسي الذي ترتكز عليه هو الصورة المحكمة واللغة الرصينة والجملة المنسجمة ولفظة كاتبنا وجملته قوية البناء والاتساق وتصويره راق كامل البهاء والدقة بحيث تتمكن صياغته من القارئ وتجتذبه بتلقائيتها وعذوبتها وحسن سبكها ودلالاتها. وقد كانت بدايات شاعرنا في مقتبل شبابه في القصيدة الكلاسيكية القديمة القائمة على الإيقاع والقافية وفق الطريقة التقليدية السائدة لدى أساتذته وفي محيطه وبيئته يومها ثم تحول بعد خروجه من عمان واطلاعه على الآداب الحديثة الى الكتابة النثرية متأثرا بأعلامها البارزين في مصر ولبنان وسوريا من أمثال الماغوط وأنسي الحاج ويوسف الخال وأدونيس وأصبح من مشاهير كتابها المعدودين ومشت على خطاه فيما بعد أجيال تلته قلدته وانتهجت سبيله واقتفت مسلكه متبعة مدرسته وان بنوع ربما اختلف كثيرا أو قليلا حسب القدرات والإمكانات لهذه الفتاة أو ذاك الشاب. وحين قررت وزارة الإعلام إنشاء مجلة “نزوى” عام 1995 اختارته ليكون رئيس تحريرها فأصابت وأحسنت وبزغت المجلة على يديه عملاقة منذ ولادتها ترتقي وتتطور عددا بعد عدد حتى وصلت إلى المستوى العالي الذي بلغته الآن شاهدة له بالكفاءة وسعة الرؤية وبراعة تنظيم الإدارة وغدت في مقدمة المجلات العربية الأدبية والبحثية المحتفى بها في أوساط الاكاديميين والكتاب والأدباء وأهل الفكر وكان وجوده فيها وإشرافه عليها السبب الرئيسي لتوافد أقلام كبار الكتاب العرب للنشر في صفحاتها ومدها بالجديد من دراساتهم وبحوثهم وإبداعاتهم وما كان هذا ليتم لو لم يكن اسمه يتصدر إدارتها وهذه المجلة هي واحدة من مشاريعه الرائدة المميزة وقد أحرزت النجاح الكبير وحظيت بالتقدير لدى النخب الرفيعة في مشرق الوطن العربي ومغربه وأصبحت من بين العناوين الرئيسية لعمان حينما يمر ذكرها في ندوة أو ملتقى يحضر فورا اسم عمان كمرادف لها مثلها في ذلك مثل رئيس تحريرها الذي ما إن يذكر إلا وتذكر عمان معه.
واستعرض الفلاحي بعض المحطات في مسيرة الرحبي الأدبية قائلا: كاتبنا الكبير عاش مغتربا لفترة ليست قصيرة متنقلا بين العديد من الأمكنة فقد ذهب إلى القاهرة في زهو شبابه عام 1971م فأكسبته القاهرة التغيير في ذائقته ورؤيته للأشياء وأدخلته عوالم جديدة لم يكن يعرفها أو له صلة بها وفرضت عليه عشقها والتعلق بها ومنها انطلق إلى دمشق وبيروت والجزائر ليقتبس من كل منها مستجدات أضافت لأفكاره ورؤاه قبل ان تأخذه الحياة نحو معظم كبريات المدن العالمية غير العربية كلندن وباريس ووارسو ولاهاي وغيرها ليغوص في عوالمها وينغمس في تياراتها ، يأخذ ويدع دروبها تتلقفه وتتقاذفه مسالكها مرتحلا بين المطارات ومحطات القطارات لا يستقر في موضع حتى يغادره إلى غيره “موكل بفضاء الله يذرعه” شأن وصف القائل القديم إلى أن حانت نهاية هذا التطواف المتعب بالعودة إلى وطنه لينعم بالاستقرار فيه وليلتئم شمله بأهله الذين اشتاق إليهم وطال انتظارهم لمقدمه وليجلس على تراب الأرض التي حملها لزمن بين جوانحه أينما تشابكت به الطرق فقد أحس في النهاية أن لا مكان في العالم يتسع له ويطمئن إليه غير عمان “سرعان ما ألح علي سؤال ماذا أفعل وحيدا في الشتاءات الكاسرة في هذا القفر الأخضر البعيد؟ ماذا أعمل في هذا المكان الذي ينفح نايا ووحدة”.
بعد ذلك بدأت أعمال الندوة حيث تضمنت جلستي عمل في الجلسة الأولى التي أدارها الاعلامي عاصم الشيدي قدم الأستاذ مفيد نجم كاتب وناقد وروائي من سوريا الورقة الأولى بعنوان “المكان والدلالة في تجربة سيف الرحبي” سرد من خلالها الكثير من المعطيات المكانية والدلالية لتجربة الرحبي الأدبية مشيرا إلى أن الرحبي بما له من عطاء فائق يعد نموذجا يستلهم منه الكثير من المفردات الادبية.
وفي الورقة الثانية من الجلسة الاولى تحدث الدكتور حميد الحجري عن “المقياس الكمي للإيقاع دراسة تطبيقية على قصائد سيف الرحبي”، أما الورقة الثالثة فكانت بعنوان” نورسة الجنون: الوضع الاجتماعي اللغوي والمعارضة اللهجية” قدمها الدكتورمبارك الجابري.
وقدم الدكتور محمد الغزي أستاذ بجامعة نزوى الشهادة الثانية حول تجربة الكاتب بعنوان “صداقة الماء والشعر” تلت ذلك الجلسة الثانية التي أدارتها الكاتبة زوينة بنت سالم الكلبانية المدير التنفيذي لمؤسسة الأوائل التعليمية حيث قدم في هذه الجلسة الأستاذ عوض اللويهي “قراءة في أدب اليوميات عند سيف الرحبي”.
وصاحب هذه الندوة التي حضرها عدد كبير من المثقفين والمهتمين معرض مصغَّر لمجموعة مختارة من إصدارات الرحبي.
الجدير بالذكر أن الكاتب سيف الرحبي يمثل ظاهرة أدبية لافتة في التاريخ الأدبي والثقافي الحديث والمعاصر في سلطنة عمان، فقد شكّل أدبه ركيزة أساسيّة، فتح في الشعر دروبا، وفي النثر مسالك، وفي الجمع بينهما فتح آفاقاً جديدة للأجيال اللاحقة. ولسيف الرحبي ثراء إبداعي متنوّع، صدر له مجموعات عدة تنوعت بين الشعر والنثر والسرد . وقد نُشرت كتبه في كبرى دور النشر العربية وتُرجم بعضها إلى لغات أجنبية عدة. يترأس سيف الرحبي تحرير مجلة نزوى الثقافية الصادرة عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان.