بقلم :زكريا بن عامر بن سليمان الهميمي
قبل 1959م لم يكن هنالك مكان معين ومخصص للحجاج العمانيين يقفون فيه في منطقتي منى و عرفات أثناء موسم الحج، فكان الكثير من الحجاج العمانيين ينضمون إلى المخيم الجزائري التابع لدولة الجزائر الشقيقة بحكم الصلات التاريخية والمذهبية القديمة بين الجزائر وعمان ؛ وبعد رحيل الإمام غالب بن علي بن هلال الهنائي ( ت: ثالث أيام عيد الأضحى ذو الحجة 1430 ه / الموافق 29 نوفمبر 2009 م ) مهاجرا من وطنه الأم عمان إلى المملكة العربية السعودية بعد انتهاء حرب الجبل الأخضر ( 1957-1959 م) ؛ وعند وصوله إلى المنطقة الشرقية وبالتحديد إلى مدينة الدمام في السادس عشر من شهر مارس 1959 م واستقراره فيها ، نظر في حال العمانيين فرأى أنه قد حان الأوان ان يكون للحجاج العمانيين أماكن خاصة بهم في كل منطقتي منى وعرفة أسوة ببقية الدول الأخرى في العالم وضمن النظام والتقسيم الإداري المتبع في الديار المقدسة ؛ ولتحقيق هذه الغاية قام الإمام غالب الهنائي بلقاء الملك الراحل سعود بن عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية (حكم المملكة من 9 نوفمبر 1953 إلى 2 نوفمبر 1964 م، ت : 23 فبراير 1969 م ) وطلب منه تخصيص مكان للحجاج العمانيين في كل من منطقتي منى و عرفات ؛ وإجلالا من جلالة الملك الراحل للإمام غالب ومكانته الدينية العالية و تقديرا منه لمكانة الشعب العماني العزيز، أمر جلالة الملك الراحل سعود بتخصيص موقعين متميزين للعمانيين في كل من منطقتي منى عرفات ليكونا مخيمين لهم ؛ ففي منطقة منى تم اختيار موقع للحجاج العمانيين في مكان قريب من منطقة رمي الجمرات، أما في منطقة عرفات فتم تحديد مكان للحجاج العمانيين في منطقة قريبة من موقع جبل الرحمة، ويضم ذلك المكان بداخله عند مدخل المخيم أيضا الصخرات التي يقال أن النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وقف عليها في حجة الوداع ، ومن الجدير بالذكر أنه لم تكن تتوفر في ذلك الوقت في كلا المخيمين العمانيين في كل من منطقتي منى وعرفات خدمات العلاج الطبي للحجاج العمانيين نظرا لعدم وجود بعثة طبية مرافقة لهم “.
وكان الإمام غالب الهنائي يشرف بنفسه على شؤون الحجاج العمانيين، حيث كان الكثير من الحجاج العمانيين – وكان عددهم في تلك الفترة قليل نسبيا مقارنة بما عليه اليوم – يرافقون الإمام الراحل أثناء أدائه لمناسك الحج جميعها، وكان الإمام يتبع في أدائه لمناسك الحج مبادئ اليسر والرفق والوسطية والسلامة بالعمانيين فكان مثلا أثناء طوافه بالبيت يشير بيده إلى الحجر الأسود من بعيد ولا يزاحم جموع الحجيج على استلام الحجر الأسود كونه كان يمثل قدوة دينية للحجاج العمانيين في أداء مناسك الحج في المشاعر المقدسةلذا كان يحرص تمام الحرص على أداء الحجاج العمانيين مناسكهم بكل يسر وسهولة ، كذلك كان الإمام الراحل غالب الهنائي يعمل على حل المشكلات التي قد تعترض الحجاج العمانيين في موسم الحج، ومن الأمثلة على ذلك :”أنه يروى أن بعض الحجاج العمانيين قرروا عدم الوقوف بمنطقة عرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وقرروا بدلا من ذلك الوقوف بعرفة في اليوم التالي أي يوم العاشر من ذي الحجة بحجة أن اليوم التاسع في الديار المقدسة يختلف توقيته عن تاريخ اليوم التاسع في عمان لذا قرروا الوقوف بعرفة حسب تصورهم وفقا للتقويم العماني وليس وفقا لتقويم أم القرى، ونتيجة لذلك قامت السلطات السعودية المختصة في موسم الحج باعتقال هؤلاء الحجاج العمانيين وتم التحقيق معهم ومن ثم ايداعهم السجن لمخالفتهم للأنظمة والقوانين الصادرة من السلطات السعودية، وعندما علم الإمام غالب الهنائي بهذه الحادثة تدخل شخصيا وبشكل عاجل لدى السلطات السعودية للإفراج عن أؤلئك الحجاج العمانيين المعتقلين، و تم فعلا الافراج عن أؤلئك الحجاج العمانيين جميعا”.
ومع بزوغ فجر النهضة المباركة في السبعينات بقيادة مؤسس سلطنة عمان الحديثة وباني نهضتها المعاصرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله -وتوليه مقاليد الحكم في عمان ” أمر جلالة السلطان المعظم – حفظه الله – في مطلع عام 1972 م بتشكيل بعثة عمانية رسمية للحج تشرف على خدمة الحجاج العمانيين وترعى شؤونهم، وتيسر معاملاتهم، وتقدم لهم الدعم والإرشاد والعلاج خلال وجودهم في الديار المقدسة، و كان أول رئيس لبعثة الحج العمانية في عهد النهضة المباركة هو الشيخ سليمان بن محمد بن عبدالله السالمي ؛ وضمت في عضويتها أيضا كلا من فضيلة القاضي الشيخ إبراهيم بن سيف الكندي ( و: 1315 ه/1897 م_ت: 1395ه / 1975م) ، والدكتور مبارك بن صالح الخضوري، وبهذه المناسبة كتب الأستاذ سليمان بن محمد الطائي في افتتاحية العدد الثامن والثلاثين من جريدة الوطن العمانية تثمينا لهذه اللفتة الكريمة من لدن جلالته، وقالت الافتتاحية: ” بعثة الحج العمانية الرسمية تؤكد على أن الدولة برعاية جلالة السلطان المعظم لا تهتم بالقضايا الزمنية وحسب بل إنها ترعى الدين وموجباته على سنة الله ورسوله وتحث المؤمنين على أداء فريضة الحج في موسمه وتهتم بشؤونهم الصحية كي يتوجه المؤمنون العمانيون إلى الله، يضرعون إليه كي ينشر الأمان في ربوعهم، ويقوي من عزتهم وسؤددهم إلى الأفضل والأحسن، وليسدد خطى المسؤولين في عمان إلى الاهتمام المتواصل بقضايا الشعب العماني الأبي “.
“وفي يوم الإثنين الموافق 21/2/1972م تفضل جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم _حفظه الله ورعاه – باستقبال أعضاء بعثة الحج العمانية برئاسة الشيخ سليمان بن محمد السالمي مدير شؤون الولاة بوزارة الداخلية والعدل آنذاك “.
ختاما، لا يزال ذلكما المكانين الذين منحا للحجاج العمانيين في كل من منطقتي منى وعرفة منذ نهايةالخمسينات من القرن الميلادي الماضي بطلب الإمام الراحل غالب بن علي الهنائي إمام عمان قائمين حتى يومنا هذا ويمثلان رموزا خالدة من صفحات التاريخ العماني المشرق لهذا الوطن ، ولا تزال كذلك بعثة الحج العمانية الرسمية تؤدي واجباتها الوطنية خدمة للحجاج العمانيين في ذلكما المكانين منذ بزوغ فجر النهضة العمانية الحديثة وحتى يومنا هذا، حفظ الله الحجاج العمانيين جميعا ، وتقبل منهم مناسكهم، وأرجعهم سالمين غانمين إلى وطنهم الغالي عمان ” .
*المراجع :
1. مقابلة مع والدي عامر بن سليمان بن عامر الهميمي أحد حفظة التاريخ الشفهي في منزله بحارة اللحمة بولاية بهلا، والذي كان ضمن الحجاج العمانيين في عام 1959 م وكان في صحبة فضيلة الإمام الراحل غالب بن علي بن هلال الهنائي إمام عمان في أدائه لمناسك الحج في ذلك العام.
2. العدد 38 من صحيفة الوطن العمانية الصادر بتاريخ 13/1/1972م، والعدد 43 الصادر بتاريخ 2/3/1972م (الإرشيف الالكتروني لجريدة الوطن العمانية (ذاكرة الوطن) على الشبكة العالمية للمعلومات الانترنت www.alwatan.com)).
3.الريامي، علي بن محمد بن ناصر، حرب الجبل الأخضر (1957- 1959م)، الطبعة الأولى 2018 م، دار الفرقد للطباعة والنشر، دمشق، سوريا.