الكاتب :زكريا بن عامر بن سليمان الهميمي
يُعد الإنفاق الخيري على التعليم أحد أبرز السمات الحضارية للمجتمعات المتقدمة في عصرنا الحاضر وفي عالمنا المعاصر، فالإنفاق الخيري على التعليم من قبل أفراد ومؤسسات المجتمع المدني دليل على الوعي الاجتماعي والحس الوطني لأهمية الدور الذي يلعبه التعليم في رقي وتقدم المجتمعات والشعوب والأمم ، وتشير بعض البحوث والدراسات الاجتماعية أن أحد أسباب تراجع المجتمعات العربية و المسلمة عن دورها العلمي والحضاري الريادي مقارنة بغيرها في المجتمعات الغربية المتقدمة هو عدم إعطاء أولوية كبيرة للإنفاق الخيري في مجال التعليم في تلك المجتمعات وسبب ذلك يعود إلى عدة عوامل مختلفة منها قلة الوعي بأهمية الإنفاق الخيري على التعليم، وقلة الوعي بالنتائج الإيجابية المترتبة على ذلك النمط من الإنفاق .
وفي مجتمعنا العماني المتكافل إجتماعيا تبرز بجلاء الحاجة الماسة والضرورية لدعم قطاع التعليم لتتظافر وتتكامل الجهود الحكومية مع الجهود الأهلية المجتمعية في شراكة استراتيجية حقيقية تحقق ما نصبوا إليه جميعا من تطور ونماء في هذا القطاع الحيوي المهم، قد يقول البعض ربما يكون عدد من أفراد وأسر مجتمعنا العماني نظرا للكثير من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية بحاجة ماسة إلى المتطلبات الماديةالضرورية للحياة المعيشية الحالية كأولوية من أولويات الإنفاق الخيري من مأكل ومشرب وملبس وأثاث منزلي وغيرها من متطلبات الحياة الإجتماعية الكريمة وهو ما تقوم به الفرق الخيرية وأهل الخير والإحسان بشكل عام في مجتمعنا جنبا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية في الدولة – والذين نكن لهم جميعا من أعماق قلوبنا كل الشكر والتقدير والثناء لجهودهم الواضحة والملموسة في هذا مجال الإنفاق الخير-، لكن في الجانب المقابل لا بد أن نكون كأفراد ومؤسسات مجتمع مدني متبنين لمبدأ التوازن في الانفاق المادي الخيري الذي يلبي الحاجات المعيشية الضرورية وبين الانفاق المادي الخيري على المتطلبات المعنوية ومنه الانفاق الخيري على قطاع التعليم ، يقول المثل الصيني :” لا تعطني سمكة لكن علمني كيف أصطاد ” ، ويقول أحد الفلاسفة في عبارات فلسفية مختصرة ما معناه : ” يخطيء من يظن أن الناس بحاجة للطعام والشراب فحسب بل هم أحوج للتعليم من الطعام والشراب لأنهم بالتعليم سيحصلون على ما يريدونه من الطعام والشراب “.
وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية حول معدل الإنفاق الخيري على قطاع التعليم في السلطنة إلا أنه من الملاحظ كنظرة واقعية عامة تدني مستوى الانفاق الخيري على هذا القطاع بوجه عام مقارنة بغيره من القطاعات الأخرى في المجتمع العماني ، وهذا مؤشر إن دل على شيء فإنما يدل على تراجع مستوى أهمية الوعي القيمي المجتمعي في الإنفاق الخيري على قطاع التعليم ، و يدل كذلك على نظرة المجتمع الثانوية للتعليم من خلال عدم اعتبار التعليم في سلم أولويات الإنفاق الخيري .
ولو جئنا لقراءة الواقع الحالي في مجتمعنا نجد أن هناك مجالات تعليمية تتمثل في مشاريع ومبادرات تعليمية واعدة بحاجة ماسة للتمويل لكن لا تجد الدعم الكافي بسبب اتجاه معظم الناس إلى أوجه انفاق أخرى دون مراعاة مبدأ التوازن في الإنفاق الخيري وفقه الانفاق على الأولويات.
وبنظرة عميقة لواقع التعليم في السلطنة نجد أن هناك الكثير من الأمثلة الحية لمجالات تعليمية بحاجة الى الإنفاق الخيري في مجتمعنا من الممكن أن تتبناها المؤسسات الخيرية كالفرق الخيرية في الولايات ومؤسسات التمويل العلمي المستدامة (الوقف العلمي) ومؤسسات القطاع الخاص كجزء من برامج المسؤولية الاجتماعية اضافة إلى المبادرات الخيرية الفرديةوالجماعية في المجتمع الناتجة عن التخطيط الاستراتيجي الشخصي والتخطيط الاستراتيجي المؤسسي، ومن تلك الأمثلة على مثل تلك الجوانب على سبيل المثال لا الحصر:
1.توفير دعم مالي لرفع نسبة التعليم ما قبل المدرسي في السلطنة ليشمل الكثير من أبناء الأسر العمانية.
2. توفير دعم مالي لتمويل التدريس في المراكز الصيفيةوالانفاق على المراكز الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الدينية .
3.دعم برامج صعوبات القراءة وصعوبات التعلم في بعض المواد الأساسية كالرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية.
4.دعم التحول إلى التعليم الإلكتروني في مؤسساتنا التعليمية كتوفير وسائل تعليمية حديثة كالسبورات التفاعلية وغيرها من الأجهزة والوسائل التقنية التعليمية في مجال التعليم .
5.دعم امكانيات المدارس الخاصة وما تواجهه من مصاريف قد لا يغطيها ما يدفعه الطلاب لها.
6.دعم الدورات العلمية التخصصية وورش العمل العلمية.
7.دعم إقامة دروس تقوية لطلبة المدارس بعد فترة المدرسة.
8. توفير موارد مالية لتكريم المجيدين في التحصيل الدراسي و العلمي.
9. توفير الموارد المالية اللازمة لتنظيم رحلات مدرسية علمية تثقيفية موجهة لأبنائنا الطلبة داخل السلطنة بل حتى خارج السلطنة.
10.تمويل تعليم بعض الفئات المحتاجة في مؤسسات التعليم العالي.
11. دعم البحوث والدراسات العلمية والابتكارات الطلابية.
12.دعم وتمويل الطلبة الراغبين في مواصلة تعليمهم العالي للحصول على شهادات عليافي الداخل و الخارج ترفع من شأن الوطن و نهضته العلمية والفكرية ، والقائمة تطول وتطول، فأوجه الإنفاق الخيري في هذا المجال كثيرة ومتعددة ومتنوعة.
و إذا رجعنا إلى تاريخنا العماني المجيد نجد نماذج مشرفة في الاهتمام بالتعليم في المجتمع من خلال تبني الوقف العلمي والإنفاق الخيري العام في عمان، ونذكر هنا المدرسة العلمية في ولاية بهلا التي أنشأها الإمام الأصولي ابن بركة السليمي الضرحي البهلوي في القرن الرابع الهجري والتي كان ينفق عليها بسخاء من حر ماله إضافة إلى تخصيصه لأوقاف علمية لها تهدف لاستدامة الانفاق الخيري على طلبة العلم، وهذه المدرسة العمانية كانت تستقطب العديد من الطلبة ليس من داخل عمان فحسب بل ومن خارجها كذلك حيث كان يدرس فيها عدد من طلبة بلاد المغرب العربي، كما نذكر جهود العمانيين في نشر التعليم وبناء مدارس التعليم الدينية في شرق أفريقيا واسهاماتهم الخيرية بجهودهم الذاتية وتخصيصهم لأوقاف علمية خدمة لهذا المجال منذ أن وطئت أقدامهم تلك الأرض، كما نذكر في تاريخنا العربي بإجلال وإكبار جهود السادة الإباضية في القطر الجزائري الشقيق في اعتمادهم على أنفسهم في تمويل قطاع التعليم في كافة مراحله، ولا ننسى اهتمامهم بتعليم عدد من الطلبة العمانيين على نفقتهم الخاصة في فترة الستينات من القرن الميلادي الماضي.
وفي خاتمة المطاف ربما تكون هذه الكلمات المسطرة القليلة في عددها لكن العظيمة في دلالاتها ومعانيها منطلقا لنا جميعا في الانفاق الخيري و تبني عدد من المبادرات الخيرية المجتمعية في مجال دعم التعليم من قبل الفرق الخيرية وأهل الخير في المجتمع، كما أنها تمثل دعوة للجهات التشريعية والرقابية المختصة في الدولة و اضغط سياساتها لتسهيل هذا الجانب من الانفاق الخيري إذا ما كانت هنالك عوائق تحد من الإنفاق في هذا الجانب وتحول دون تحقيق الأمال المرجوة منه ،ورب فكرة تعليمية بسيطة في نظرنا يتم تطبيقها في المجتمع تعطي ثمارا إيجابية يانعة لا حصر لها ، وفي ذلك يقول المثل الياباني :” قطرات المطر القليلة قد تصنع جدولا ” فلنبدأ من الآن في غرس بذور الإنفاق الخيري على قطاع التعليم في مجتمعنا العماني لنرى ثمارا يانعة تسر الناظرين، ولنرى أنوار مشرقة تبدد ظلمات الجهل، قال تعالى:”
۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ “.