الكاتب: صالح البلوشي *
قضية الباحثين عن العمل هي قضية بدأت تؤرّق جميع الدول في العالم؛ لأنها قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، فالشاب الباحث عن العمل لا يريد من التوظيف راتبا نهاية الشهر فقط؛ وإنما يريد أيضا بالإضافة إلى ذلك الاستقرار النفسي والشعور بأنه عضو منتج وفعّال في المجتمع، وخاصة إذا كان يحمل مؤهلاً جامعيًا كبيرًا، فهو يريد أن يوظف سنوات الخبرة التي اكتسبها على مقاعد الدراسة للإسهام في بناء وطنه وخدمة مجتمعه، وهناك دراسات عديدة تؤكّد أن كثيرًا من الشباب الذين تورطوا في الانتماء إلى الجماعات المتطرفة في بعض الدول العربية هم من الباحثين عن العمل؛ لأن عجز الدولة والمجتمع عن توفير فرص العمل للشباب يدفعه إلى اتباع طرائق أخرى للتعبير عن ذاته.
وفي السلطنة استطاعت الحكومة طوال السنوات الماضية توظيف عشرات الآلاف من الشباب في القطاعات المدنية والعسكرية المختلفة، إضافة إلى القطاع الخاص، وهناك في الانتظار آخرين يريدون أن يحصلوا على فرصتهم في التوظيف، وهذا في حد ذاته حق أساسي لهم، لا يستطيع أحدٌ أن ينكره، ولكن في الوقت نفسه فإن الحكومة لا تملك عصًا سحرية من أجل توظيف الجميع، وأما القطاع الخاص فهو يعاني أيضا من أزمات مختلفة وخاصة بعد انخفاض أسعار النفط، ولكن ذلك لا يمنع من مواصلة الجهود المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لإيجاد حلول ناجعة لتوظيف هؤلاء الشباب، الذين يتوقون شوقًا إلى خدمة وطنهم، وسلطانهم، وشعبهم، فهم بعد سنوات الدراسة الطويلة يعدّون ذلك دينًا عليهم على هذا الوطن المعطاء، وحق عليهم تسديده، كما ينبغي أيضاً دعم الشباب وتمكينهم من تأسيس وتطوير مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة، وخاصة القروض المادية الميسرة، والتصاريح اللازمة للعمل، ولكن – للأسف – فإن بعض الشباب يواجهون صعوبات كبيرة في ذلك؛ مما يجعلهم يشعرون بالإحباط، وأعتقد أن المرحلة القادمة تستلزم وضع خطة وطنية متكاملة لدعم الشباب في جميع المجالات، وخاصة دعم المشاريع الخاصة، فقد أثبت الشباب العماني قدرته على إدارة مشاريعه الخاصة، وحقق نجاحا في ذلك، وهناك الآلاف من المشاريع الخاصة التي استطاع الشباب أن يحققوا النجاح فيها، وكثير منهم قدّم استقالته من الوظيفة الحكومية، من أجل التفرغ لمشروعه الخاص، مما يؤكد أن القطاع الحكومي أو الخاص ليس بالضرورة هو الحل؛ ولكن -للأسف- فرغم إخلاص ونقاء وطهارة هؤلاء الذين عبّروا بكل إخلاص عن رغبتهم في التوظيف، في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة “تويتر”؛ فقد اِنبرت مجاميع مختلفة -لها أجندة أخرى لا علاقة لها بالتوظيف- للزجّ بنفسها وأطروحاتها الهدامة في الموضوع، من أجل تحقيق أجندتها الخاصة، فبعض هؤلاء أراد أن يستخدم، عنوان: “التوظيف” للمزايدة على الحكومة، وكأنّ هؤلاء أحرص على مصلحة الشباب الباحث عن العمل من الحكومة! ولكن -والحمد لله- فإن الشباب العُماني عرف كيف يرد على هؤلاء المتسلقين، وهذا يثبت وعي الشباب وإيمانهم بقضيتهم، ونبذهم لكل من يحاول المتاجرة بها لأغراض شخصية.
وأما البعض الآخر فقد استغل موضوع “التوظيف” من أجل بثّ سمومه في المجتمع وبين الشباب، كمثل الذي أنسلخ من هويته وتبرَّأَ من وطنه وجاهر بولائه للخارج، فهؤلاء لا يهمهم مصلحة الوطن؛ لأنهم لا يعترفون به، ولا يؤمنون بحدوده الجغرافية، ولا بتاريخه، وقد سقطت أقنعتهم عندما كشفوا عن دعوتهم الطائفية النتنة وحقدهم على كل ما يحمل اسم عُمان، ومع ذلك ركبوا في الموجة باعتبارهم من المصلحين، ويعلم الجميع أنهم من المفسدين، الذين لا يريدون من دعوتهم إلا إحداث الفوضى في البلد؛ تنفيسا عن العقد النفسية التي يعانون منها. كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “تويتر” تسجيل حسابات جديدة، بعضها من خارج عمان، تحاول أن تعزف على وتر التوظيف من أجل إحداث فوضى في البلد، عن طريق التحريض المستمر على الحكومة، والدعوة إلى الخروج بمظاهرات، تحت عنوان: “المطالبة بالتوظيف”.
إن موضوع توظيف الشباب هو مسؤولية الجميع: الحكومة، والمجتمع، والقطاع الخاص، بالإضافة إلى الباحثين عن العمل أنفسهم، ولذا ينبغي أن تتكاتف جميع الجهود من أجل إيجاد حلّ يوفّر العمل المناسب لهؤلاء الباحثين، كما ينبغي الحذر كل الحذر من الحسابات الالكترونية المشبوهة والدعوات الهدامة الآتية من خارج الحدود التي تدعو إلى الخروج في مظاهرات واعتصامات، فلو كانت صادقة في دعواها وحبها للوطن واهتمامها بموضوع الباحثين عن العمل؛ لما تنكرت لوطنها وشعبها وجاهرت بكل وقاحة ولاءها للخارج.
*كاتب ورئيس تحرير صحيفة ” شؤون عمانية “