بقلم: فايزة محمد
“إن التطرف، مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزّب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته؛ نباتات كريهة سامة، ترفضها التربة العُمانية الطيبة، التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدًا أن تُلقي فيها بذور الفرقة والشقاق”.
(السلطان قابوس بن سعيد)
كانت السلطنة من أوائل الدول في العالم التي حذّرت من خطر الإرهاب والتطرف، والتزمت السلام العالمي، وجاء ذلك في الخطاب السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم – حفظه الله – في العيد الوطني الرابع والعشرين المجيد، سنة 1994، ومما جاء فيه: “إن التزمّت في الفهم الديني؛ لا يؤدي إلا إلى تخلّف المسلمين، وشيوع العنف وعدم التسامح في مجتمعاتهم. وهو في حقيقة الأمر بعيد عن فكر الإسلام الذي يرفض الغلوّ، وينهى عن التشدد؛ لأنه دين يسر، ويحب اليسر في كل الأمور. وصدق الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذ يقول: “إن الدين يسرٌ ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”، وليس بعد حديث الرسول من مقال”. ولذلك دعا صاحب الجلالة المعظم إلى “التطور الفكري ومواجهة تحديات كل عصر وكل بيئة بما يناسبها من الحلول المنطقية الصحيحة، باستخدام قواعد استنباط الأحكام؛ خدمة للمجتمع الإسلامي”، كما دعا -حفظه الله- علماء الدين والمفكرين إلى “مواكبة العصر بفكر إسلامي متجدد ومتطور، قائم على اجتهاد عصري ملتزم بمبادئ الدين، قادر على أن يقدّم الحلّ الصحيح المناسب لمشاكل العصر التي تؤرّق المجتمعات الإسلامية، وأن يُظهر للعالم أجمع حقيقة الإسلام، وجوهر شريعته الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان”.
وبعد أربع سنوات فقط من هذا الخطاب التاريخي، الذي حذّر فيه صاحب الجلالة المعظم من التطرف الديني؛ ضربت انفجارات عنيفة سفارتيّ الولايات المتحدة، في كل من: دار السلام (تنزانيا)، ونيروبي (كينيا)؛ ليُعلن عن ولادة منظمة “القاعدة”، التي ارتكبت الكثير من الأعمال الإرهابية في كثير من عواصم العالم، كانت أعنفها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سنة 2001م المعروفة.
ورغم تورط كثير من أبناء الخليج والدول العربية في الانضمام إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية، سواء القاعدة، أو داعش، أو النصرة، أو غيرها؛ فإنه لم يُسجّل انضمام مواطن عماني واحد إلى هذه الجماعات. ولم تتحدث الصحافة أو الإعلام العربي والأجنبي: أن مواطنا عمانيا فجّر نفسه في العراق، أو سوريا، أو ليبيا، أو الأماكن الساخنة الأخرى في العالم. ولم يظهر مواطن عماني واحد في تسجيل مصور يدعو إلى الجهاد ومقاتلة “الكفار والصليبيين والمرتدين”. ولم تعرف المكتبات وسوق النشر كتابًا واحدًا ألّفه عماني، يدعو فيه إلى تكفير المسلمين، ومقاتلة الحكومات العربية، بدعوى “الارتداد عن الدين”. ولم يظهر مقال واحد كتبه عماني يبتهل فيه إلى الله أن ينصر “المجاهدين” في سورية، والعراق، وأفغانستان. ولم تتناقل وكالات الأنباء تورط رجل أعمال عماني واحد في تمويل جماعة إرهابية هنا، أو مؤسسة تروّج الفكر المتطرف هناك.
ورُبّ قائل يسأل: هل المواطن العماني لا يتأثر بالدعايات التضليلية التي تبثها المواقع الإلكترونية، والقنوات الفضائية التابعة للجماعات المتطرفة؟ بالتأكيد فإن الجواب هو: أن المواطن العماني لا يختلف عن أي مواطن في دولة أخرى، فهو يتعاطف -كغيره- مع القضايا المصيرية للأمة، ويبكي حسرةً على الأوضاع التي يعيش فيها كثير من المسلمين في العالم؛ ولكنّه صاحب تراث عريق في الاعتدال والتسامح والفهم الصحيح للإسلام، الذي يرفض منهج التكفير، وقتل النفس البريئة بغير حق. فالمدرسة العُمانية العريقة قامت على أن المسلمين أخوة، ولا يجوز تكفير المسلم بمجرد الاختلاف المذهبي، وتأسست على الابتعاد عن مواطن الفتنة والتورط في الشبهات، وقامت سياستها على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فالعُماني يعرف أن أبناء كل دولة أدرى بشؤونها من الآخرين، ولذلك لا عجب أن يبتعد العُماني عن التورط في الحروب والنزاعات الأهلية، التي تجتاح بعض الدول العربية، وهذا الكلام ليس من عندي إنما يشهد به كثير من علماء الأمة، الذين زاروا السلطنة والتقوا مع علمائها وأبنائها، وقرؤوا تاريخها، وسبروا أغوار مذاهبها، ونهلوا من علومها، وأقوالهم معروفة ومشهورة.
وقد نقل الموقع الإلكتروني لقناة العالم الإيرانية، يوم الجمعة، بتاريخ : ٢٤ مارس ٢٠١٧، عن الكاتب الأميركي المعروف دانيال بايبس -مدير منتدى الشرق الأوسط، في واشنطن- موضوعا وصف فيه السلطنة بأنها “واحة الهدوء في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة”، واعتبر السلطنة بأنها “البلد الأكثر إثارة للدهشة في الشرق الأوسط”، مشيرًا إلى أنها “لم تشهد أية أحداث عنف، منذ فترة طويلة على الرغم من الحرب الأهلية في جارتها اليمن”.
وذكر أيضا في مقال نُشر الخميس: “تعتبر سلطنة عمان واحة الهدوء في المنطقة. إذ إن ما يسمى بـ(الجهاديين) لا وجود لهم هناك، ولم تقع أية أحداث عنف، فيما لم نسمع بأن مواطنا عُمانيا انضم إلى تنظيم داعش”.
كما نقلت وكالة الأنباء العمانية، بتاريخ: 6 مايو 2018، وصف راديو وتلفزيون بلجيكا الناطق بالفرنسية (ار تي بي اف)، في تقرير له السلطنة بأنها “واحة للسلام والأصالة في منطقة الشرق الأوسط”.
وأكد التقرير أن “القيام بزيارة لعُمان يفضي إلى اكتشاف دولة استثنائية في شبه الجزيرة العربية، تتسم بالاعتدال والاستقرار، وتعيش أيامًا سلميّة في منطقة ما زالت في قبضة الأزمات والحروب.
وجاءت سلطنة عُمان في المرتبة قبل الأخيرة بين 20 دولة من دول الشرق الأوسط، المعرضة للإرهاب، وبدرجة بلغت (صفر من 10 نقاط)، حسب تقرير مؤشر الإرهاب ا
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يديم نعمة الأمن والأمان على بلادنا العزيزة وأن يحفظها من كل سوء، ويديم الصحة والعافية والعمر المديد على صاحب ان المعظم -حفظه الله ورعاه-.