بقلم: فاطمة بنت أحمد المنجية
البعض يعتقد بأنه يفهم كل شيء، ولهذا تجده يلقي بآرائه وأفكاره و وجهات نظره في كل موضوع، دون أن يعرف التفاصيل أو يستفسر عنها، كما أنه غير مختص في هذا المجال ولكنه (يصر ويُلح) على المشاركة، وهنا نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خدّعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» .
وللأسف الشديد جدا، أصبح الكثير من الناس مندفعين بشكل مفرط للحساسية ومبالغ للمشاعر، نحو أي موضوع يتم تداوله ونشره في المجتمع، بل أصبح البعض يعتقد بأنه المسؤول الأول والأخير عن أي موضوع يتناقله الناس، فتجده (يُفند المواضيع، ويقترح الأفكار، ويضع الخطط، وينتقد هذا، ويسب ذاك)، ولو نظرت إلى كل ما يفعله بالمنطق والدقة؛ لوجدته مجرد (خواءِ) لا نفع منه.
وتفسير “لوبون”-مؤلف كتاب “سيكولوجية الجماهير”؛ لمثل هذا الاتهام (أن الجماهير تنصهر روحها الفردية داخل جماعة لتصبح روحاً واحدة تخفض من الملكات العقلية والتمايزات الشخصية والاختلاف فيما بينها، بالقناعات والمبادئ، فيسهل عليها أن تقوم بتصرفات سلبية لا تستطيع القيام بها إن كانت وحدها، كالجماعات التي تقوم بتحرشات أو عمليات إجرامية).
وهذا ما يحدث بالضبط عندما نرى الكثير من فئات المجتمع تشترك في (رأي واحد) اتجاه قضية معينة بدون أن يكون لهذه الفئة أي منطق أو اختصاص أو حتى علاقة في كثير من الأحيان، فقط هم انساقوا وانقادوا كالقطيع للمشاركة في هذا الموضوع، وهذه الفئة من الناس تجدها تحارب وتواجه كل من يعارضها الرأي بالقوة، مستخدمين كل عواطفهم الحساسة جدا والجياشة، مبتعدين عن أي منطق عقلاني، ولهذا يرى “لوبون” (أن الشعوب ترفض تماماً أن تدمر خاصية الجماهير هذه ولا تستطيع العيش دون الخضوع لفكرة أو قضية، لأنك باختصار لن تقدم لها مثلاً أعلى تعيش من أجلها، وإن حاولت فأنت الضحية، وهذا سبب عدم اقتناع الجماهير عادة بالمحاجات العقلية كما الحال في المحاجات العاطفية، وتجد العقلاني يستغرب دائماً من عدم استيعاب المجتمع له عندما يعارضهم بقضية معينة).
وفي القرآن الكريم أمر الله تعالى عباده المسلمين بالابتعاد عن من يتحدث بدون علم، لأن هذه الفئة (والعياذ بالله) سوف يكون مصيرها جهنم امتثالا لقوله تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40)عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47)}، فالخوض مع الخائضين بدون علم ولا فِكر ولا منطق، يقود للجحيم، وللأسف الشديد أن نرى ونسمع اليوم الكثير من فئات المجتمع وهم (يخوضون مع الخائضين) بدون “عِلم ولا منطق ولا تدقيق ولا اختصاص” وبالأخص مع استخدام (مواقع التواصل الاجتماعي).