قراءة: إبراهيم بن أحمد السلطي
في الثلاث السنوات الماضية وبطريقة الصدفة بدأت متابعة سلسلة عالم المعرفة والتي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت الشقيقة، وفي الحقيقة إن دولة الكويت تعتبر من الدول العربية القليلة الداعمة للثقافة والاداب، ففي الكويت أكثر من جهة حكومية تصدر العديد من المجلات الدورية والفصلية وتقدم للقاريء العربي بأسعار رمزية، كما إن المحتوى التي تقدمه هذه المجلات قد تجاوزت الخطوط الحمراء كما يطلق عليها في بعض بلدان الدول العربية.
وبالعودة إلى العدد 443 والصادر في ديسمبر 2016 ضمن سلسلة كتب عالم المعرفة والكتاب الذي بين أيدينا (لماذا يكذب القادة؟ حقيقة الكذب في السياسة الدولية)، فقدت حصلت في زيارتي الأخيرة لدولة الكويت على عدد من الإصدارات خلال الفترة الماضية من قبل الاستاذة (شيخة الشمري أم ليالي) التي دائما ما تمدني بكل ما احتاجه من كتب ومراجع حول بعض العناوين.
المؤلف:
المؤلف هو البروفيسور والمثير للجدل في الولايات المتحدة الأمريكية جون جي ميرشيمر، استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو ويعتبر من أبرز الباحثين في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أثار قبل عدة سنوات جدلا واسعا بسبب بعض مؤلفاته وخاصة المتعلقة بعلاقة الولايات المتحدة الامريكية مع العصابة الصهيونية المحتلة لدولة فلسطين فقد كتب كتاب (اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية) والذي ترجم إلى 19 لغة حول العالم، مما دفع باللوبي الاسرائيلي إلى إصدار كتاب مضاد بعنوان (اللوبي العربي)، وكتابه الآخر (مأساة السياسة في الدولة العظمى).
المترجم:
هو الدكتور غانم حمد النجار بروفيسور العلوم السياسية في جامعة الكويت ورئيس الصندوق العربي لحقوق الإنسان شغل البروفيسور الدكتور غانم العديد من المناصب داخل الأمم المتحدة وحصل على الجائزة الدولية في حقوق الانسان في نيويورك. له العديد من المؤلفات المنشورة كما أن لديه مساهمات إعلامية في أجهزة الإعلام وهو حاليا كاتب صحافي في جريدة (الجريدة اليومية في الكويت).
الكتاب:
كما ذكرت في المقدمة فإن الكتاب حصلت عليه مع مجموعة من كتب سلسلة عالم المعرفة ، وحينما نظرت إلى العناوين أكثر ما شدني هو عنوان هذا الكتاب وتسألت هل فعلا استطاع المؤلف عن يكشف لنا كذب القادة؟ وهل قدم أدلة ونماذج لكذب هؤلاء القادة؟ ومن هم القادة الأكثر كذبا في العالم؟ وهل هناك منافسين في الكذب لبعض قادة الدول العربية؟!.
جاء أسلوب الكاتب سلس وخالي من التعقيدات في المصلطحات والمفاهيم وهو ما يميز الكتّاب والمفكرين الغربيين عن الكتّاب والمفكرين العرب في إغراق كتبهم بالكثير من المصطلحات والمفاهيم التي لا داعي لها والتي تشتت القاريء.
اعتمد الكاتب على أسلوب يستطيع من خلاله عموم الناس إلى فهم محتوى الكتاب والرسالة التي أراد توصيلها المؤلف بدون تكلف وتصنع لغوي كبير.
يهدف الكتاب إلى فتح باب التحقيق (إن صح هذا التعبير) في الأكاذيب في عالم السياسة والتي عادة تتحمل الشعوب نتائج هذه الأكاذيب فيما يبقى القادة بعيدين عن الاتهام كأفراد صنعوا هذه الأكاذيب وعمدوا إلى تدمير دولهم وأوطانهم، كما أنه يساهم في فهم سير الأحداث التاريخية ويفتح مجال لقراءتها من جديد، والدوافع التي من أجلها صنعت هذه الأكاذيب ، وهل الكذب بين القادة في بعض الأحيان يكون إيجابيا ويجنب الدول الحروب والصراعات، كما يهدف إلى تأسيس نظريات في الكذب السياسي الدولي.
بدأ الكاتب بتقديم مقدمة عن الاسباب والدوافع التي دفعته الى كتابة كتاب خاص عن أكاذيب القادة، وبعدها قسم الكتاب إلى ثامنة فصول وهي كالتالي: في الفصل الأول قدم الكاتب تعريف عن الكذب وهو المقصود هنا الكذب بين الساسة والقادة والنخب بشكل عام لصالح دولهم أو أن يكون الكذب على شعوبهم، بعد ذلك تناول في الفصل الثاني قائمة بالأكاذيب الدولية يليه الفصل الثالث وفيه شرح عن القائمة بالفصل الثاني حيث تناول الكذب بين الدول وإثارة الذعر والتغطيات الاستراتيجية والأساطير القومية حتى الفصل السابع الذي يتحدث عن الأكاذيب الليبرالية من قائمة الأكاذيب الدولية أما الفصل الثامن فقد ركز فيه الكاتب عن الجانب السلبي للأكاذيب الدولية.
استعراض الفصول:
لنستعرض أبرز الملامح التي جاءت في الكتاب ونبدأ من المقدمة والتي هي مهمة لفهم خط سير الكتاب والأسس والأساليب التي اعتمد عليها المؤلف للكشف عن الأكاذيب التي يطلقها القادة والنخب السياسية على حد سواء.
ومن الصعوبات التي واجهها المؤلف هي قلة الأدلة عن حالات كذب القادة والديبلوماسيين بعضهم على بعض، (ومع ذلك لا يمارس الكذب بكثرة بين الدول)، كما أن دوافع الكذب لدى القادة تكون عادة لحماية بلادهم ويعتبر هذا النوع من الكذب يقع ضمن المسؤولية الأخلاقية للكذب! في هذا النوع من الكذب تتضامن الشعوب مع قادتها وتعتبر هذا النوع من الكذب هو جزء لا يتجزأ من العلاقات الدولية، وفي المقابل فإن شعوبهم لا تعاقبهم بسبب خداعهم على دول أخرى إلا إذا أدت هذه الأفعال إلى نتائج وخيمة.
وقد ادرج المؤلف أربعة أسباب يكون فيها الكذب محتملا بين الدول، فالسبب الأول هو إن الدول التي تعيش في مناطق الصراع الخطرة والتي يكون فيها التنافس المني حادا تميل أكثر إلى الكذب عكس المناطق التي تكون آمنة نسبيا، ويتفشى الكذب في زمن الحرب أكثر منه في زمن السلم وهذا هو السبب الثاني ، أما السبب الثالث الذي يكون فيه الكذب محتملا بين الدول ففي الأزمات يكون القادة أكثر قابلية للكذب من الأوقات الهادئة، كما أنه يكذب القادة أكثر على الدول المناسبة أكثر من الدول الصديقة وهذا هو السبب الرابع.
كما يعتبر الكذب نوع من الخداع والذي يشمل (الإخفاء والتلفيق) والذي يعني عدم قول الحقيقة، لكنه لا يعني الكذب.
كما يرى المؤلف أن هناك تيارين على المستوى العام ينظران إلى الكذب، التيار الأول يرى الكذب من منظور مطلق، ومعنى ذلك أن الكذب دائما خطأ ومن النادر أن تكون له جوانب إيجابية ويمثل هذا التيار إيمانويل كانت وأوغستين، فالكذب وفق كانت يمثل (أكبر انتهاك يرتكبه الإنسان في حق نفسه).
أما التيار الثاني فهو التيار النفعي الذين يرون أن الكذب يكون منطقيا في بعض الأحيان لأنه يحقق غرضا اجتماعيا مفيدا.
وعليه فقد اعتمد في كتابه على الأكاذيب الدولية النفعية والسبب في ذلك أن التبريرات لهذا الفعل قوية وايضا وجد إن لها توثيق في السجلات التاريخية.
في الفصل الأول قدم المؤلف تعريفات عن الكذب والخديعة والتلفيق أو الكتمان وشرح كل مصطلح على حده بالشكل الذي أراد من خلاله توصيل أفكاره عن الأكاذيب في السياسة الدولية.
فمثلا يعتبر إن الكذب والتلفيق وإخفاء المعلومات هي كلها من أنواع الخديعة.
فيعرف الخديعة على أنها الخطوات المتعمدة لمنع الآخرين من معرفة الحقيقة كاملة بخصوص أمر محدد والهدف المخطط له هو عدم إيصال رواية مباشرة في وصف شامل للأحداث.
أما الكذب فهو عندما يتحدث الإنسان بمقولة يعرف أو يشك في عدم صحتها ولكنه يأمل أن يظن الآخرون أنها حقيقة فالكذب هو فعل مخطط لخداع جمهور معين.
أما التلفيق فهو حين يروي شخص ما حكاية يركز فيها على أحداث معينة ويربط بعضها ببعض بطريقة تصب في مصلحته، بينما يقلل من أهمية حقائق أخرى أو يتجاهلها، فالتلفيق هو عرض الأحداث المعروفة بصورة معينة تخدم مصلحة الفرد المعني، في حالة التلفيق لا تبذل أي محاولة لتقديم عرض واف للأحداث فالقصة المروية هنا مشوهة لكنها ليست كذبة.
أما الكتمان أو الإخفاء أو التستر فهو حبس الحقائق وأخفائها حتى لا تؤثر في موقف الفرد وفي هذا الحالة يلتزم الفرد الصمت لأنه يريد إن يخفي الحقيقة عن الغير.
في الفصل الثاني من الكتاب قدم المؤلف قائمة من 7 أنواع من الأكاذيب بين الدول وقال: في مضمار السياسة الدولية، بإمكان القادة أن يختلقوا سبعة أنواع من الأكاذيب. ولكل نوع من تلك الأكاذيب غرض محدد، وإن كان من الممكن أن تؤدي كذبة واحدة أغراضا متعددة فعلى سبيل المثال، الكذبة التي يطلقها قائد لشعبه بخصوص تهديد خارجي محتمل، للحصول على دعم شعبي للتصدي للتهديد (إثارة الذعر)، من الممكن أن تحيي الروح الوطنية في البلاد، من خلال تصوير العدو بطريقة سلبية جدا (خلق الأساطير القومية) وهذا النوع من الأكاذيب، تحديدا ، يوجهه صانعو القرار السياسي لشعوبهم، ولكن الأكاذيب يمكن أن توجه أيضا إلى الدول المعادية، كما يمكن أن توجه إلى أي من هذه الجماهير، ستصل بالضرورة إلى الأطراف الأخرى، مما قد يجعل لها آثارا إيجابية أو سلبية.
كما (توجه الأكاذيب بين الدول) مباشرة إلى الدول الأخرى إما لتحقيق تفوق استراتيجي، وإما للحيولة دون تحسن وضعها على حساب وضع الدولة الكاذبة.
وعادة ما يوجه هذا النوع من الكذب إلى الدول المنافسة، بيد أن الدول تكذب أحيانا على حلفائها وعادة ما ينتهي الأمر بالقادة المنشغلين بالكذب على الدول بأن يخدعوا شعوبهم، على الرغم من أنهم ليسوا المقصودين بالخداع.
يظهر أسلوب (إثارة الذعر) عندما يكذب قائد ما على شعبه بشأن قضية سياسة خارجية بخصوص تهديد يواجه البلد، معتقد أن شعبه لا يعطي ذلك التهديد حقه. والقصد من ذلك هو دفع الشعب لكي يأخذ التهديد بصورة جدية ، وتقديم التضحيات للتصدي له ، لا يلجأ القادة هنا إلى إثارة الذعر لأنهم أشرار ، أو لتحقيق مكاسب شخصية ، لكنهم يضخمون تهديدا معينا في سبيل المصلحة الوطنية.
أما التغطيات الاستراتيجية فهي أكاذيب تهدف إلى إخفاء سياسات فاشلة ، أو سياسات مثيرة للجدل، عن الشعب ، وأحيانا عن دول أخرى كذلك ولا يطلق القادة هذه الأكاذيب لحماية غير الأكفاء الذين فشلوا في عملهم أو لإخفاء سياسات غبية ، وإن كان من الممكن أن يتحقق ذلك كنتائج غير مقصودة ، بل الهدف هنا هو حماية الدولة من الأذى ، على سبيل المثال ، يعتبر الكذب حول ضعف قدرات الجيش في حالة الحرب مهما للحفاظ على تماسك وتضامن الجبهة الداخلية والذي ربما يشكل الفرق بين النصر والهزيمة.
وجاءت صناعة الأساطير القومية في المرتبة الرابعة من القائمة ويقصد بها هي حين يطلق القادة الأكاذيب بشكل أساسي لشعبهم حول ماضي دولتهم فنجدهم يروون قصة يكون فيها *نحن* دائما على حق *وهم* دائما على خطأ ، وتفعل النخبة ذلك عن طريق إنكار أن دولتهم أو مجموعتهم العرقية قد اقترفت ما اقترفته في الواقع أو إدعاء قيامهم بأشياء لم يقوموا بها أصلا. وبالطبع تطلق تلك النخبة ذاتها أكاذيب مشابهة بحق المجموعات المعادية أو المنافسة لها. *الهدف هنا هو إيجاد حس قوي بالهوية الجماعية بين المواطنين في العموم لأن ذلك مهم في بناء الدولة القومية والمحافظة عليها ولتشجيع الناس على القتال في الحروب لأجل وطنهم وأحيانا تساعد هذه الأساطير الدول على تحقيق شرعيتها بين الدول الأخرى.
وتصمم الأكاذيب الليبرالية: للتغطية على سلوك يتناقض مع منظومة المباديء المتعارف عليها بشكل واسع في أنحاء العالم والتي تمثل العمود الفقري للقانون الدولي. *فالدول بجميع أشكالها ونظمها السياسية بما في ذلك الأنظمة الليبرالية الديمقراطية تتصرف أحيانا بشكل وحشي تجاه دول أخرى* ، أو تشكل تحالفات مع دول ممارساتها سيئة وعندما يحدث ذلك يختلق القادة قصة يروونها لشعوبهم أو للعالم على اتساعه بهدف محاولة التمويه على تصرفاتهم غير المتسقة مع الأعراف الليبرالية بأسلوب بلاغي مثالي.
وتأتي ممارسة الإمبرالية الاجتماعية: حين يطلق القادة الأكاذيب عن دولة أخرى بهدف تنمية مصالحهم الاقتصادية أو السياسية أو لمصلحة طبقة اجتماعية او مجموعة بعينها ويستهدف هذا النوع من الأكاذيب *صرف نظر الشعب عن مشاكل أو قضايا مثيرة للجدل في الساحة المحلية لخدمة شريحة صغيرة في المجتمع وليس المصلحة العامة* فعلى سبيل المثال قد يحاول القادة أن يزيدوا من هيمنتهم على مفاصل القوة في الدولة ، عن طريق المبالغة في تصوير تهديد محتمل ، وخلق حالة من الخوف في المجتمع مما يؤدي إلى التفاف الشعب حول النظام.
وتظهر التغطيات الشنيعة: عندما يكذب القادة بخصوص تخبطاتهم أو سياساتهم الفاشلة لمصالح شخصية ويكون هدفهم الأساسي في هذه الحالة هو حماية أنفسهم ، أو أصدقائهم من عقاب مستحق ، ولا يسعى هذا النوع من الأكاذيب إلى تحقيق مصلحة عامة كما هي الحال مع التغطيات الاستراتيجية ولكن لأن التغطيات الإستراتيجية تنتهي بحماية الفاشلين والإبقاء عليهم في مراكزهم فمن الصعب أحيانا التمييز بين هذين النوعين من أكاذيب التغطية.
هذه هي قائمة الأكاذيب الدولية والتي لخصها البروفيسور جون جي ميرشيمر في كتابه لماذا يكذب القادة؟ حقيقة الكذب في السياسية الدولية.
لقد فصل المؤلف كل هذه القائمة مستبعدا القائمتين السادسة والسابعة (الامبرالية الاجتماعية والتغطيات الشنيعة) لأنه حسب وجهة نظره لا توجد قيمة استراتيجية لهما، وقد استعان المؤلف بأمثلة من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واليابان وبعض الدول الغربية ولم يورد أية أمثلة من الدول العربية ، والسبب في ذلك إن الدول التي تتمتع بحكم ديمقراطي يكون الحصول على سجلاتها التاريخية ويكون للاعلام دور كبير في إبرز هذه الأكاذيب عكس الدول الديكتاتورية والتي يكون فيها حكم الفرد ولا يسمح لأحد الاعتراض على القرارات التي يتخذها الحاكم.
كما أنه أورد واستعان بالكثير من الاقتباسات من كتّاب ودبلوماسيين ونخب سياسية واعلاميين مما جعل للكتاب قوية اضافية من حيث المحتوى.