شؤون عمانية- جمانة اللواتي
عبدالله البلوشي: من أبرز أسباب نجاح المسلسل هو ذهابنا إلى أماكن لم يسبقنا أحدٌ إليها.
عمر الكيومي: إذا لم يرفع أبناء البلد بعضهم البعض؛ فمن سيرفعهم؟
لا يخفى علينا مساحة الحرية الجيدة التي يقدمها اليوتيوب عكس التلفزيون، الذي في الغالب يضع الكثير من الخطوط الحمراء. وهذا -بالطبع- سلاحٌ ذو حدين، استغله الكثيرون لأمورٍ غير مناسبة، وآخرون انتهزوا هذه الفرصة لتوصيل رسائل معينة قد لا يستطيعون إيصالها في الحياة الواقعية، فاستخدموا مزيج التكنولوجيا مع الفن لتوصيل هذه الرسائل. عُرضَ مؤخرًا المسلسل اليوتيوبي العُماني، الذي لاقى استحسانا في أوساط الشباب (سكن عزّابيّة). المسلسل المكون من ٨ حلقات، تعرض حلقة كل أسبوع، تطرّق لقضايا عدة تلامس المجتمع والشباب، وتدغدغ مشاعرهم، يحكي قصص الشباب والبنات في السكن، ويسلط الضوء على آمالهم، وآلامهم، وقضاياهم، التي قل طرقها. واللافت في الأمر؛ أن المسلسل تم إنتاجه بجهودٍ فردية من كاتب المسلسل وباقي طاقم العمل، دون أي دعم مادي؛ الأمر الذي دفعنا في صحيفة “شؤون عمانية” إلى إجراء هذا الحوار مع كاتب المسلسل ومخرجه عبد الله البلوشي، صاحب مؤسسة نجم الإعلام، والممثل عمر الكيومي، أحد أبطال هذا المسلسل، وكانت لنا هذه المقابلة الصحفية لنتعرف بشكلٍ أعمق على تفاصيل هذا العمل.
تُعرِّف عن نفسك في وسائل التواصل الاجتماعي كمخرجٍ وكاتب؛ فهل كان (سكن عزّابية) عملك الأول، أم أن الجمهور تعرّف عليك من خلاله أكثر؟
– قبل مسلسل (سكن عزابية) كان لي عمل يحمل، عنوان: (خفايا القدر)، وكان هو البداية في اليوتيوب عام ٢٠١٤ -تقريبًا-. كان العمل ضعيفًا من الناحية الإنتاجية -نوعاً ما- ثم قمت بعمل آخر وهو فيلم قصير، أسميته: (إعلان هروب)، يتحدث عن العمالة الوافدة في البلد، وكيف أن بعضهم بعد أن يهرب أثناء عمله من البلاد؛ يعود بعد فترةٍ من الزمن ويعمل في وظيفة مختلفة تمامًا، وتفاصيل أخرى، مثل: معاملة العمالة، وغيرها، ثم عملت على بعض الفيديو كليبات المشتركة، وأخيرًا عدت لسكة المسلسلات بمسلسل: (سكن عزابية).
* وهل كانت عودتك للمسلسلات من باب التغير، أم أن جمهور الأفلام كان مخيبًا للآمال؟
– على العكس تماماً؛ الأفلام لها جمهور أكبر؛ بسبب الأفكار المختزلة التي تتضمنها، بعكس المسلسلات التي تدخل في تفاصيل عديدة لتصل إلى عددٍ معين من الحلقات، إلا أنني أحب مجال المسلسلات أكثر؛ لأنني أستطيع التعمق في طرح القضايا، وتسليط الضوء عليها من كل جوانبها وحيثياتها دون الحاجة للتقيّد بالوقت.
* من الواضح أن هذا ما حصل في مسلسل (سكن عزابية)، حيث أنك تطرقت للعديد من القضايا المهمة التي تمس الشباب في عمان؛ فهل كان هذا الأمر هو سبب نجاح المسلسل والتفات الناس حوله على خلاف أعمالك السابقة، أم أن السبب يعود لعدم وجود الدعم الكافي للأعمال الأولى؟
– للأسف؛ لا زال الدعم غير متوفر، أما نجاح المسلسل يعود للقصة نفسها التي لامست قلوب الناس، لا سيما الشباب، بسبب واقعيتها وملامستها لهمومهم، والتحديات التي يعيشونها. بالإضافة إلى أن معظم متابعي اليوتيوب من فئة الشباب، لذلك تعمدت توجيه المسلسل إليهم، وطرحت فيه الكثير من القضايا التي تهمهم، وتهمني -كوني منهم- مثل: السياسة، والثقافة، والمشاكل الأسرية، وغيرها. كذلك اختيار الممثلين كان سببًا أساسيًا لنجاح المسلسل، حيث أنهم شباب من أبناء المسرح، ولديهم الإمكانيات الممتازة، والدراية في هذا المجال.
* هل يحب أن يضيف عمر شيئًا بخصوص سبب نجاح المسلسل من وجهة نظره كممثل؟
– أعتقد أن عفويتنا وبساطتنا كان لها دورٌ كبير في إنجاح العمل، لم نتصنع اللهجة، ولم نبالغ في اللباس، في الوقت الذي أصبحنا نشاهد فيه الكثير من الأعمال العمانية التي لا تشبهنا أبداً من ناحية: اللهجة، والأسلوب، واللباس، وغيرها من الأمور، مع خالص احترامي لهم.
* وبالنسبة للنص؛ هل كنتَ متفقاً أنت وباقي زملائك -الممثلين- على كل ما جاء فيه؟
– بالطبع اختلفنا في بعض الأمور، عندما استلمت النص؛ قرأته مراتٍ عديدة، حتى وصلت إلى مرحلة التشبع، وكانت لدي بعض الملاحظات والإضافات وكنت أتناقشها مع عبد الله.
* هل كان يتقبل هذهِ الملاحظات؟
– جداً؛ حتى أنني أضفت لمسةً كوميدية لأحد المشاهد -وهو لم يكن مقتنعاً- ولكن بعد أن شاهد ردود الفعل من الناس، وكيف لاقى المشهد استحسانهم شكرني كثيراً.
يضيف عبدالله ممازحاً: لست دكتاتوريًا، والخروج عن النص أمرٌ لست ضده، ولكن بحدود.
محاذير كثيرة تمنع عرض المسلسل في التلفزيون
* تطرق المسلسل إلى بعض القضايا التي لم يعتد الشعب العُماني أن تُطرح كثيرا، أويُسلَّط الضوء عليها في إعلامنا، بل أن البعض قد يعتبرها من المحظورات، حتى أن الأمر دفع ببعضهم لكتابة تعليقات تشير إلى خوفهم عليكم من الوقوع في المشاكل، هل كان لديكم تخوف من طرح مثل هَذِهِ القضايا؟
عبدالله: إلى حدٍ ما، ولكن ليس تخوفاً كبيراً؛ فالرقابة الذاتية مطلبٌ أساسي، وأنا ككاتب أعرف ما يجب أن أكتب ومن أي الدهاليز يجب ألا أقترب. بالطبع؛ لو فكّرت في هذا النص كمشروعٍ تلفزيوني وأخذته إلى قسم الرقابة في وزارة الإعلام؛ لن يوافقوا عليه مطلقاً، بسبب بعض المحاذير السياسية والثقافية وغيرها، على الرغم أنني لم أتعرّض لمؤسسةٍ معيّنة أو شخوصٍ معينين، بل كنت أطرح الموضوع بالعموم، فمثلاً شخصية (عمّار) التي قام بأداء دورها الممثل محمد الخايفي، كانت تمثّل دور الشاب الذي يتمنى لوطنه التطور والارتقاء -وهذا أمر طبيعي- كما أنه انعكاس لصورة الكثير من الشباب العمانيين، وأعتقد أن هذا الأمر أحد أبرز أسباب نجاح المسلسل بالإضافة إلى الأسباب التي سبق ذكرها. ذهابنا إلى أماكن قلّما تذهب إليها الدراما في بلادنا.
* جميل أن تكون لدى الإنسان رقابة ذاتية في حياته وعمله، وكونك واثقٌ من عملك، ولا ينتابك الخوف ما الذي دفعك لكتابة التنبيه قبل الشارة؟ قد يظن البعض أنك أردت من خلالها إبراء ذمتك تماماً والتي قد يصنفها الكثير هروباً.
– المشكلة في مجتمعاتنا هي كثيرة الحديث (القيل والقال) وتحوير الأمور، إذ أن الفهم الخاطئ حتى في المسائل البسيطة من الممكن أن يحوّل الموضوع إلى قضية رأي عام، تقودها حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لا الصحافة ولا الإذاعة أو غيرها؛ بل مجرد أشخاص يمتلكون حسابات في هذه المواقع، وبالتالي فإن الخوف هو من هؤلاء، ومن نوايا البعض لا من القضايا المطروحة، لا سيما أن للنجاح أعداء وهذا أمر لا نستطيع إنكاره.
يضيف عمر: أسفي الشديد أن أكثر هؤلاء الأعداء من الوسط نفسه الذي نعمل فيه، يظهرون لك التشجيع والدعم أمامك، أما من وراء ظهرك ينتقدونك ويسيئون إليك، متناسين أننا أبناء وطن واحد ومجالٍ واحد وربما تجمعنا أعمالٌ مستقبلاً، ثم من يرفع الشخص ويشجعه غير أبناء بلده؟ يؤسفني هذا الواقع وبشدة، وأنا لا أعمم طبعاً، فالكثير من الأشخاص قاموا بدعمنا ورفع مقاطع المسلسل في صفحاتهم دون أن نطلب منهم ذلك، ولكن نسبةٌ كبيرة واجهنا منها العكس -وأنا أتحمّل مسؤولية كلامي- يؤلمني جداً أننا عوضاً عن رفع بَعضنا البعض نهدم بعضنا ونقابل الأعمال الجميلة بالكلمات المحبطة وتكسير المجاديف، ثم نأتي ونردد الجملة الشهيرة: (لا تجعلوا من الحمقى مشاهير)، ونحتج أن هؤلاء الحمقى أصبحوا واجهة المجتمع في كثير من المحافل المحلية والدولية، متناسين أننا نحن من صنعناهم، وتركنا في المقابل دعم من يستحق التشجيع وتمثيل البلد.
الطاقات الشبابية تستحق التقدير
* ماذا عن التلفزيون العُماني؟ هل عُرض عليكم المشاركة في أعمال تلفزيونية، أو تقديم أعمالكم الخاصة على الشاشة؟
– لا؛ لم يحدث ذلك أبداً. رغم أن الكثير من الأعمال العمانية يتم الاستعانة بممثلين من خارج السلطنة للمشاركة فيها، وهذا لا يعني أن المشاركة في أعمال تلفزيونية يشكّل هاجساً لنا، ولكن التقدير شيء جميل يتمناه الكل.
* ماذا عن الفنانين المخضرمين في السلطنة؟ هل تلقيتم منهم دعماً معنوياً؟ أقصد بذلك تشجيعكم على ما قدمتموه؟
– لم يحصل ذلك.
* أرجو أن تحصلوا على الدعم الذي تستحقونه، خصوصا أن العمل ناجح بالمجمل بشهادة الجمهور العُماني؛ ولكن لا بد من نقاط ضعف في كل عمل وفي سكن عزابية جاءت أكثر الانتقادات على أدوار البنات، وضعف مشاهدهم، وأنها تعكس صورة نمطية بعيدة عن الواقع نوعاً ما، بماذا ترد؟
– عبدالله: أرى أن البنات قمن بأداء أدوارهن بشكل جميل. نعم؛ لا أنكر أن مشاهدهن أضعف من مشاهد الشباب، لعدة أسباب، منها: أنني تعرفت على الشباب قبل كتابة النص، وبناءً على شخصيةِ كل واحدٍ منهم؛ كتبت له الدور، أما اختيار الممثلات تم بعد كتابة النص، كذلك مسألة أنني كشاب لا أعرف أنماط شخصيات البنات كما أعرف تكوين شخصيات الشباب، لذلك كان من المفترض أن أقوم بدراسةٍ أعمق عن شخصيات البنات، رغم أن المسلسل سلط الضوء على ثلاث شخصيات مختلفة، وهي: الفتاة المتمردة على عادات المجتمع وتقاليده، الفتاة المطيعة والمتمسكة بالعادات التي تربت عليها، وأخيرًا الفتاة ذات الشخصية الضعيفة، التي تحاول تقليد الأخريات من بنات جلدتها، دون وعي لما يناسبها، وما قد يضرها، ومع هذا أنا لا أنفي أن دراسة وضع البنات المجتمعي بحاجةٍ إلى تركيزٍ أكبر في الأعمال القادمة.
* بما أنك عرّجت على ذكر أعمالك القادمة؛ أخبرنا هل من مسلسل جديد ينتظر المشاهدين؟
– الأفكار كثيرة ولكن العمل القادم والذي لم نخطط له هو سكن عزابية الموسم الثاني، والذي سيعرض بناءً على رغبة الجمهور وإلحاحهم ومطالباتهم، والخبر أصرّح به بشكلٍ رسمي لأول مرة حصرياً لصحيفة شؤون عمانية.
* ختاماً؛ كلمة أخيرة تود توجيهها للمسؤولين عن إنتاج المسلسلات، والفنانين في السلطنة، أو للجمهور العُماني أو غيره؟
– في الختام؛ أودّ أن أشكر الصحفية جمانة اللواتي على الحوار الجميل، كذلك صحيفة شؤون عمانية، وأتمنى لكم كل التوفيق والنجاح.
أما الرسالة التي أريد توجيهها فهي لمسؤولي الدراما في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون؛ كل ما أودّ قوله عن الدراما صرحت به من خلال شخصية عمّار في مسلسل سكن عزابية: أرجوا أن تهتمّوا بالشباب بشكلٍ أكبر، وتأخذوا أفكارهم ونظرتهم على محمل الجد، خصوصاً أنهم مستقبل البلد ومستقبل الإعلام، ركّزوا على ضخ دماء جديدة في الدراما العمانية حتى ينجذب المشاهد ويعود للتلفزيون بريقه ورونقه، يجب أن يكون للشباب بصمة في الدراما العمانية – وأكاد أجزم- لو أن الهيئة مرّت على مسارح السلطنة؛ لوجدت مواهب جميلة في مختلف المجالات من الإخراج إلى التصوير إلى كتابة السيناريو وغيرها الكثير من المواهب التي تستحق التبني والتي تنتظر أن تُمد إليها يد الرعاية والدعم لتتطور وتنجز أكثر، يجب أن يكون هناك مزيج بين خبرة الماضي ونظرة الشباب.
أما جمهورنا؛ فأقول له: دعمكم لنا هو السبب الذي يدفعنا للاستمرار، أشكركم من القلب، وأعدكم بكل ما هو جديد وجميل.