الكاتب: بدر بن سالم العبري
بعدما أخذنا قسطا من الرّاحة في فندق سفير انترناشيونال إلا أنني لم يأتني النّوم لعدة أسباب منها أنني لست مرهقا كعادة السّفر، ولتفكيري كيف أقابل الناس بهذا اللّباس، ولأنّ عمامتي كانت في الحقيبة، لهذا قلت استغل الوقت لعلي أجد محلا لبيع الملابس قريبا، على الأقل أجد شيئا يناسب الحالة، وفي الوقت نفسه أمارس الرّياضة واكتشاف المنطقة، فقد كان الجو رائعا، حيث الرّذاذ الخفيف، إلا أنّه يوجد بعض الغبار في الجو ولكن ليس كثيرا، وهذه الحالة طبيعيّة في الكويت.
وللأسف لا توجد محلات قريبة؛ لأنّ المنطقة منطقة فنادق، ومع هذا وجدتُ مركز سلطان قريبا، ومركز سلطان شركة كويتيّة مساهمة تأسست عام 1976م، ولها أكثر من ستة وعشرين فرعا في الكويت، ولها فروع في الخليج والوطن العربيّ ومنها بطبيعة الحال عمان، ولي بطاقة شرائيّة لتسوقي منه في عمان، إلا أنّهم لم يقبلوها هنا!!
عموما لم أجد ضالتي معهم، ومع هذا اشتريت معجون الأسنان والفرشاة وبعض الماء والحاجات الخفيفة، وسألتهم عن مكان يبيع الملابس حتى ولو كانت كويتيّة، فقالوا: لا يوجد إلا أن تذهب إلى كارفور [ستي سنتر] وهو قريب من هنا بالسّيارة عشر دقائق بسبب الزّحمة، وبالمشي ربع ساعة، فأردت الذّهاب ولكن قررتُ الرّجوع خوف ذهاب الوقت والتّأخر على الجماعة.
المهم رجعت القهقرى، إلا أنّه خطرت لي فكرة كنا نعملها وقت العزوبيّة، ولا تحتاج إلى وقت طويل، وهو أن نغسل الملابس بسرعة ثمّ نقوم بتدوير نصفيها بشكل مناقض يمينا وشمالا، وبهذا نعصرها بقوة، ثمّ نضعها في الشّمس لفترة بسيطة، وهذا يحتاج إلى مكواة، وهنا طلبت من يونس الحبسيّ طلب لي مكواة من الأسفل، وأحضرت بعد حين، فغسلّت مكان الاتساخ، وكانت والحمد لله ليست متسخة كثيرا، ثمّ قام الأخ العزيز بكويها، فانحلّ أمر اللّباس، وبقي أمر العمامة، فاضطررت إلى لبس المصر، إلا أنني أخر مرة لبست المصر عام 2000م أي قبل ثمانية عشر عاما، وكنتُ ألبس مصرا أبيضا، ولم ألبس المصر الملون، والّذي يسميه المطاوعة السّابقون بمصر ابن بور أي محمد بن نور الوالي العباسيّ الّذي غزا عمان في أواخر القرن الثّالث الهجريّ، الملقب عند العمانيين بابن بور لكثرة فساده والدّمار الّذي فعله كما يقول الرّواة، حيث يرون أنّ ابن بور هو من أدخل المصر إلى عمان، والعديد ينقض هذه الدّعوى، فالمصر تطور للعمامة، أو سابق عنها، أو تأثرا بالأمم الأخرى القريبة كالكمة والوزار والعباية ونحوه.
وهنا لبستُ المصر، وقام بتمصيري الأخ يونس، ولما نزلتُ ضحك علي من جاء معنا، ثمّ ذهبنا قبل الثّامنة إلى منطقة الدّسمة في سيارتين، سيارة يقودها أبو نبيل وكنتُ معه ومعي الأخ يونس الحبسيّ، والباقي كانوا في سيارة يقودها الأستاذ كمال اللّواتيّ، والأصل معنا الصّلتيّ إلا أنّه تأخر فذهب في سيارة كمال!!
ذهبنا إلى منطقة الدّسمة، وهي منطقة سكنيّة تتبع محافظة العاصمة، جاء في ويكبيديا سميت هكذا لأنّها كانت منطقة ذات ربيع أخضر تربتها دسمة، وأغلب سكانها من الشّيعة الإماميّة.
وفي هذه المنطقة يوجد بيت أبي عمار نبيل المسقطيّ، حيث حول سرداب بيته إلى ديوانيّة كبيرة، وهذه العادة وجدتها في قم بإيران عند العرب العراقيين، وتحدثت عنها في الرّحلة القميّة، وسيأتي الحديث لاحقا عن الدّيوانيات في الكويت، وأثرها المعرفيّ والثّقافيّ.
والأستاذ أبو عمار بنى ديوانيّة كبيرة، ولهم نشاط ثقافيّ فيها باسم تجمع الميثاق الوطنيّ، والأصل فيها أنّه تجمع لمناقشة الأوضاع السّياسيّة والاقتصاديّة، وأحيانا يناقشون الجوانب الفكريّة والثّقافيّة، ولا يحتاجون إلى ترخيص إذا كان الشّخص من خارج الكويت، والأمور الثّقافيّة أكثر مرونة ونشاطا عندهم مقارنة بما عندنا في عمان.
والتقينا في البداية بمجموعة كانوا حاضرين منهم وزير التّجارة ثمّ وزير الشّؤون الاجتماعيّة والعمل معالي عبد الوهاب الوزان، والمقدّم للأمسية الأستاذ حسن الخواجة، ثمّ التحق بنا مجموعة كبيرة منهم الدّكتور مصطفى الموسويّ رئيس زراعة الكلى، والأستاذ على الجديّ، والشّيخ حسين المعتوق، والدّكتور أحمد حسين محمد، والشّيخ حسين قنبر، وغيرهم كثير، كذلك التحق بنا الباحث والكاتب والأديب محمد البغيليّ وهو ابن أديب وشاعر الكويت المشهور حمود البغيليّ، وسيأتي الحديث عنه، فقد تعرّفت عليه في عمان لما جاء إلى عمان 22 يناير 2018م للمشاركة في المؤتمر الثّاني للفكر والّذي كان بعنوان الفكر ودوره في بناء الوعي بمنطقة الخليج العربيّ من تنظيم الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء مشاركة مع مهرجان مسقط، حيث قدّم ورقة بعنوان مؤسسات المجتمع المدنيّ ودورها في البناء الفكريّ في الخليج العربيّ، وتعرفت في هذا المؤتمر أيضا على الأستاذ خالد العضاض من أوثال بريدة من المملكة العربيّة السّعوديّة صاحب كتاب التّدين السّعوديّ، وكتب مقالا بعنوان من أوثال إلى بهلا والرّستاق، ومقالا عن عمان والتّسامح أتحدث، ونشرت الوطن السّعودية المقالين، كما أعادت شؤون عمانيّة الالكترونيّة نشر المقال الأول مع الإشارة إلى المصدر، والأستاذ العضيدان في فكره ونقده قريب من الأستاذ منصور النّقيدان، كذلك تعرفت فيه على الأستاذ والباحث عيسى الشّارقيّ من جمعية التّجديد البحرينيّة، وهي جمعيّة قرآنيّة تهتم ببلاد السّراة، وترى أنّ الأنبياء لم يخرجوا من جزيرة العرب، ولهم كتاب شهير بعنوان: اختطاف جغرافيا الأنبياء.
ثمّ انتظرنا سماحة الشّيخ العلامة حسن الصّفار، وهو من القطيف من المملكة العربيّة السّعودية، وهو علم معروف عند جميع المذاهب الإسلاميّة، وهو من أسس النّشاط الاجتماعيّ والدّعويّ في مسجد الرّسول الأعظم بولاية مطرح في عمان، وشارك في إنشاء مجلّة الوعي في السّبعينات من القرن العشرين في مسقط، وهي أول مجلّة دينيّة شيعيّة عمانيّة، وزارني المنزل في الموالح الجنوبيّة في 14 يناير 2018م وسجلنا حلقة معه بعنوان تأملات في بعض جوانب التّفكير الدّينيّ وهي موجودة على قناتي اليوتيوبيّة.
ولما وصل سماحة الشّيخ الصّفار وسلّم على الجميع جلسنا في مكان واحد مقابلين الجمهور بداية من الأستاذ المقدّم حسن الخواجة فالأستاذ خميس العدويّ فسماحة الشّيخ حسن الصّفار فالعبد الفقير.
وبدأ المقدّم الحديث عن التّسامح وعن عمان والتّعريف بالحضور، ووجه سؤاله الأول إلى الشّيخ الصّفار: ما معنى التّسامح الشموليّ والخاص، وما دور الإسلام في التّسامح وهل يوجد فرق بين العفو والتّسامح أم كلاهما شيء واحد؟ فبدأ الصّفار حديثه بأمنيته أن يستمع من العدويّ والعبد الفقير لكونه حاضرا في هذا المكان العديد من المرات، ثمّ بين أنّ معنى التّسامح اكتسبت في الثّقافة الحديثة معنى أوسع من اللّغة العربيّة والتّراث الإسلاميّ، بحيث تقبل الرّأي الآخر وتعترف به، ولا تعتقد أنّك تحتكر الحق والحقيقة، فلك الحق أنّ تعتقد ما تراه حقيقية، ولكن من حق الآخر أيضا له الحق أن يعترف به، ويرى أنّ هذا المصطلح شاع في أروبا بسبب هيمنة الكنيسة المتحالفة مع السّلطات الحاكمة في أروبا حينها، فجاء المصطلح لنقل المجتمع الإنسانيّ من الهيمنة والتّعصب الفكريّ والثّقافي والدّينيّ، ثمّ قرر أنّ ديننا وقرآننا يدعو إلى التّسامح والاعتراف بالآخر، وترك الحساب لله؛ لأنّه فرق بين القاصر والمقصر والمعاند، ومع هذا كفل للجميع حق الاعتقاد.
ثمّ أراد المقدّم الخواجة إعطائي الكلمة لكنني أردّت أن يتقدّم الأستاذ خميس، فهو أستاذي يكبرني علما وعقلا ثمّ سنّا، ولكن رفض الأستاذ خميس، وحزم المقدّم الموقف فوجه السّؤال إلي، وكان الحديث حول التّسامح، فتطرق المقدّم من يوم التّسامح العالميّ في 16 نوفمبر من كلّ عام ميلاديّ، وكذا ندوة تطور العلوم الفقهيّة السّنويّة، والّتي توقفت بسبب الأوضاع المادّية، أو لأنّها أدّت رسالتها، وسببها معروف يعود إلى نهاية الثّمانينات بسبب الفتوى الشّهيرة المعروفة في عدم صحة الصّلاة خلف الإباضيّة، وكفر من يقول بعدم رؤية الله في الآخرة، وحدثت ردّة فعل من قبل سماحة الشّيخ أحمد الخليليّ [معاصر] مفتي عمان وكان الرّد مباشرا في التّلفزيون العمانيّ حينها، عموما التفتت الحكمة العمانيّة إلى عقد ندوة يشارك فيها جميع المذاهب الإسلاميّة سنة وإماميّة وزيديّة وإباضيّة، فعقدت في البداية في جامعة السّلطان قابوس، وقد أرخ الصّحفيّ والكاتب المصريّ فهمي هويّ [معاصر] لهذه الحادثة في مقال له، وكان شاهد عيان للنّدوة الأولى، ثمّ تولت وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة هذه المهمة حتى عام 2015م، وكانت بعنوان فقه العصر: مناهج التّجديد الفقهيّ والدّينيّ، وكنتُ شاركت معهم 2010م في ندوة الفقه الحضاريّ فقه العمران، في ورقة عمل بعنوان آداب الطّريق بين التّأصيل الفقهيّ والتّطبيق العمليّ، طبع في أعمال النّدوة عام 2010م، واختصر في كتيب آداب الطّريق طبعته دائرة الوعظ 2010م، وعموما النّدوة خرجت بأسفار مهمة للباحثين، ونتائج تسامحيّة كبيرة، إلا أنّها توقفت عند هذا ولم تتحول إلى مشروع بحثي له عمره الطّويل كمؤسسة تسامحيّة بحثيّة، ولعل ذلك يكون في المستقبل بإذن الله تعالى.
أمّا حديثي في اللّقاء فكان من خلال ورقة بحثيّة صغيرة كتبتها بعنوان التّسامح الفقهيّ في سلطنة عمان، وهنا أبرزت الجانب الإيجابيّ، مع علمي بوجود بعض السّلبيات، والورقة مقدّمة للجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء 2016م، وكان هدفهم إصدار كتاب عن التّسامح إلا أنّه تأخر المشروع ولم يخرج، ولهذا أضفت الورقة إلى كتابي إضاءة قلم (الحلقة الأولى) وأضفت إليه بحث الثّقافة العربيّة والحراك الاجتماعيّ كتب سنة 2016م، مقدّم للنّدوة المصاحبة للاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب، بعنوان: نحو استراتيجيّة ثقافيّة في الوطن العربيّ، والّتي عقدت في فندق البستان روتانا بدبيّ، من 4 – 7 ديسمبر 2016م، والرّحلة القميّة، تدوين للرّحلة العلميّة إلى قم بالجمهوريّة الإيرانية الإسلاميّة من 22/2 وحتى 26/2 لعام 2017م، ومذكرات رحلة الحج لعام 1435هـ، وآمل أضيف إليه الرّحلة الكويتيّة، وأرجو أن يكون الكتاب حاضرا في معرض مسقط للكتاب 2019م، وبحث التّسامح نشرته مجلّة التّكوين العمانيّة في أربع حلقات في الأعداد (26) و(27) و(29) و(30)، وتحدّثت فيه باختصار عن خريطة المذاهب والأديان في عمان بصورة سريعة، مع نماذج من التّسامح في المذاهب الثّلاثة المعروفة، وأثر التّسامح العمانيّ على السّائح والتّاجر، وبيان التّسامح السّياسيّ مع الفقهيّ، ومستقبل التّسامح الفقهيّ في عمان.
ثمّ وجه المقدّم الخواجة سؤال ثالث وأخير إلى الأستاذ خميس العدويّ وهو كيف نوجه أبنائنا إلى التّسامح، فبدأ العدويّ بشكر الكويت، وعلاقة الكويت بآبائنا العمانيين الّذين عملوا فيها، ثمّ أشار إلى المشتركات والسّمات الواضحة بين عمان والكويت، وبين أنّه في عمان لا نحتاج إلى الحديث حول التّسامح بسبب الانسجام الطّبيعي بين المذاهب، وأثر هذا على المساجد والزّواج، كذلك بيّن أنّ المذهب رؤية وتمظهر اجتماعيّ وليس دينا، وسبب الخلاف الصّراع السّياسيّ الّذي أثر على المذاهب، وأثر هذا على التّراث منذ الصّراع الأول، لذلك نادى بنقد التّراث، وعليه الصّراع هو من داخلنا ولابدّ أن نعترف بهذا، ويرى أنّ جميع المذاهب داخلة في التّكوين المعرفيّ لأي مسلم، فعلينا أن ننفتح للآخر، بل ننفتح حتى لغير المسلم، كذلك بين أنّ التّسامح في عمان طبيعيّ إلا أنّه بدأ يشعر بالخوف نتيجة نمو السّلفيّة عند جميع المذاهب وليس عند أهل السّنة فحسب، إلا أنّه في عمان أغلقت هذه النّوافذ المؤثرة على التّسامح والنّسيج الاجتماعيّ منذ فترة مبكرة، حتى جاء عهد الفضائيات والانترنت حيث بدأ النّاس يدخلون في الجدل المذهبيّ، بيد أنّ المنظومات الدّينيّة بقت في رؤية صادمة ضدّ أيّ نقد جديد، ولكن مع مرور الأيام يحدث التّقبل شيئا فشيئا، ويقول إننا في عمان بسبب وسائل التّواصل نعيش اليوم حالة التّمازج وليس فقط التّسامح، على الأقل على المستوى المعرفيّ.
ثمّ فتح المقدّم باب النّقاش والمشاركة للحضور، وتسجيل الحلقة بما فيها الحوارات موجودة على قناتي اليوتيوبيّة لمن أراد، وبعد الجلسة قدّم بعض الفطائر السّريعة مع العصائر، ثم كانت الأحاديث الجانبيّة، وهنا كان معي حديث مع الدّكتور أحمد حسين محمد، والّذي طلبت منه تسجيل حلقة يوتيوبيّة في برنامجي حوارات كما سيأتي، كذلك أصر محمد حمود البغيليّ بصورة كبيرة على زيارته، والجدول كان مزحوما، ولا يوجد فراغ إلا الخميس عصرا أو الجمعة صباحا، فاتفقنا الخميس عصرا نزورهم في ديوانيتهم، كما ذكرته بوعده لي بتسجيل الحلقة، فاتفقنا أن يكون التّسجيل صباحا في الفندق.
وأهل الكويت أصحاب ابتسامة لا تفارقهم، ويحترمون إخوانهم العمانيين، والجميل معهم أنّك تجد في الدّيوانيّة من مختلف الرّتب والعمر والمكانة العلميّة، الكل يقدّم وجهة نظره، وعلى العموم خرجنا من ديوانيّة أبي عمار، والكل فرح لهذا اللّقاء التّعايشيّ الجميل، ثمّ رجعنا إلى الفندق، ومع أحداث ما قبل الذّهاب إلى مركز الشّيخ عبد الله السّالم الثّقافيّ في الحلقة القادمة.
رابط الجلسة على اليوتيوب: