إعداد: فاطمة بنت أحمد بن خميس المنجية
سؤال يطرح نفسه خلال هذه الايام الذي نشهد فيه نحن المسلمين صوم شهر رمضان، وهو: ( لماذا نصوم؟)، وللإجابة على هذا السؤال ينبغي العودة إلى تاريخ الصوم عند البشرية، فكما نعرف جميعا أن الصوم ليس عبادة خاصة بالمسلمين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} ، ( والصيام لم يكن موجودًا فقط في الرسالات السماوية بل كان موجودًا في معظم الحضارات الإنسانية القديمة، كما ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالغريزة والصفاء النفسي والذهني والنقاء الروحاني والعلاج البدني والتطهير ومكافحة الأمراض)
والصوم يختلف من ديانة إلى أخرى، فالمسيحيون يصومون في السنة أربعين يوما دون تحديد فترة معينة، أو ساعات محددة، يعقبها طعام خالي من الدسم الحيواني كما ان لديهم فئات للصوم تسمى ( الصوم الفردي، والصوم الجماعي، وصوم الدرجة الأولى، وصوم الدرجة الثانية)، ولكل فئة من هذه الفئات شروطها الخاص .ويختلف صوم المسيحيين في روسيا عن صوم المسيحيين في أوروبا بحسب كنيسة، وتتفق كل الفئات المسيحية على أن ممارسة الجنس بين الزوجين لا تفسد الصوم، باستثناء “الكنيسة البروتستانتية”، التي أعلنت الصيام كرغبة شخصية بعد تأكيدها بأنه عبادة سامية، فلم تحددها بموعد زمني ولا عمر، ولا امتناع عن أي نوع من أنواع طعام.
أما اليهود فلديهم الصيام منقسم أيضا إلى عدة فئات منها: ( الصوم بالامتناع عن الممارسات الجنسية، وأخرى لذكرى خراب الهيكلين) كما لديهم صوم يوم الغفران ومدته (25) ساعة، وهو اليوم الأكثر قدسية في السنة، إضافة إلى الامتناع التام عن تناول الأطعمة والسوائل لمدة 25 ساعة من الصيام، على الصائمين الامتناع أيضا عن إقامة العلاقات الجنسية، الاستحمام، وانتعال أحذية جلدية، ويُحظر أيضا (تشغيل الكهرباء، الطبخ، أو السفر في السيارة)، هذا هو الصوم الأطول في اليهودية .
أما الصوم في الديانة “الهندوسية” يختلف من دولة إلى أخرى باختلاف الاله المتبع لكل فئة، ويوجد نوع من الصيام الشائع في بعض مناطق الهند الهندوسية، وهو الخاص بصيام المرأة المتزوجة من أجل سلامة وصحة زوجها وأملًا في إطالة عمره، في العادة يمتنعون عن أكل اللحوم خلال فترة صيامهم. ويصوم اتباع الديانة “البوذية” من شروق الشمس إلى غروبها في أربعة أيام من أيام الشهر “القمري”، وتُدعى أيان “اليوبوذانا”، وهي الأول والتاسع والخامس عشر والثاني والعشرين ويشمل الصوم الامتناع عن الطعام وعن العمل إطلاقًا حتى عن إعداد الطعام، لذلك يقومون بإعداد طعام الإفطار مسبقًا قبل شروق الشمس لتناوله بعد غروب الشمس .
ولدى “الصابئة” صومان، صوم كبير وصوم صغير، حيث يصومون في أيام معدودات 36 يومًا كل عام، موزعة على مدار أشهر السنة، عن الطعام وتحديدًا عن تناول لحوم الحيوانات ومشتقاتها وعن شرب الخمر، ويمتنعون عن نحر وقتل أي حيوان وعن كل ما يشين الإنسان وعلاقته مع الرب من فواحش ومحرمات، ويفطرون في يوم عيدهم على لحوم الخراف .
وكما نرى أن الصوم في مختلف الديانات يأتي في اطار غير منظم ولا يتفق عليه كل اتباع الديانة الواحدة، من حيث وقت الصوم، والأشياء التي يمتنعون عهنا أثناء صومهم، بل أن البعض يذهب إلى حرية الصوم من عندمه، باستثناء الدين الإسلامي الذي نظم هذه العملية بطريقة دقيقة جداً، وجعلها عبادة قائمة على النظام الذي يجمع (الإتزان، والمنطقية والعقلانية، والروحانية)، فالصوم عند المسلمين له وقت محدد ومعلوم، وهو بداية شهر رمضان، حيث يصوم المسلم قبل طلوع الشمس وإلى مغيبها يوميا طوال الشهر، ويمتنع في النهار عن كل مفطر مادي كان أو معنوي، ويصوم جميع المسلمين في الكرة الأرضية في شهر واحد، وبذات القواعد العامة المتعارف عليها، بخلاف الكثير من الديانات التي يختلف فيها أصحاب الديانة الوحدة في صومهم وإفطارهم وطريقتهم في الصوم.
ثم أن الصوم عند المسلمين مبني على برنامج صحي دقيق، يبدا بالإفطار من خلال تناول بعض التمرات وشرب الماء، وينتهي بوجبة الإفطار التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتأخيرها إلى ما قبل طلوع الشمس، وللصوم فوائد صحية أكدتها الدراسات والبحوث منها ما نشرته مجلة “حياتك” والتي أكدت بأن الصيام يساعد على (راحة الجهاز الهضمي، علاج الالتهابات، وخفض مستويات السكر في الدم، وزيادة حرق الدهون، ومفيد لمرضى ارتفاع ضغط الدم، ويحفز خسارة الوزن ويعزز العادات الغذائية الصحية، إلى جانب الجهاز المناعي، والتغلب على مشكلات الإدمان).
المراجع:
1.القرآن الكريم.
2.تسنيم فهيد، ماذا تعرف عن الصوم في الديانات المختلفة حول العالم؟، بوست، 29مايو2017م.
3.مجلة حياتك، نسخة الشرق الأوسط.