بقلم: إبراهيم بن أحمد السلطي
قبل عدة سنوات اتصل بي أحد الأصدقاء، وبعد السلام والتحية، سألني: هل تريد أن يكون لك مصدر دخل آخر غير راتبك؟ الإجابة بطبيعة الحال ستكون: نعم، وهو على يقين أنه سوف يسمع هذه الإجابة لمعرفته أولا بطبيعة الفطرة البشرية المحبة لجمع المال، وثانيا: لظروفي المادية، حيث يطلب مني أن نلتقي ليشرح لي فكرة المشروع الفريد، الذي سيجعلني بعد هذا اللقاء من الأثرياء، ولن استطيع بعدها عدّ النقود التي أمتلكها في غضون سنوات قليلة!.
أغلق الهاتف، وأشكر الله – عز وجل – أن وهب لي صديقا مثل هذا. يفكر في مصلحتي. وبعد عدة أيام التقيت به، بدأ حديثه عن الأمراض التي تجتاحنا؛ بسبب إهمالنا لصحتنا، وعدم معرفتنا بالمفيد من الطعام، وعدم انتظامنا في ممارسة الرياضة، بعدها سرد لي عن شركة عالمية، لديها أفرع في كل أنحاء العالم، وكيف أنها معتمدة، ولديها شهادات عالمية عن عملها وتاريخها الطويل، ونضالها في خدمة البشرية، من خلال مكملاتها الغذائية، مع ذكره للأمثلة، مستشهدا بأرقام وإحصائيات كثيرة، لا أعلم مدى صحتها.
بعدها، أتبع حديثه عن تجربته، وكيف أنه كان يفكر كيف يزيد من دخله؟ وما هو المشروع الناجح الذي يدرّ المال؟ ويجعله مطمئنا على مستقبله؟ وكيف أنه بفضل أحد أصدقائه استطاع أن يستغني عن راتبه بالوظيفة؟ ولا يسأل عنه على مدى أشهر طويلة، معتمدا على مبيعات هذه الشركة، والعمولات التي يحصدها من خلال انخراط الكثير من الشباب عن طريقه إلى هذه الشركة.
والفكرة: أنه كلما انضم شخص عن طريقة؛ سوف يحصل على نسبة من مبيعاته، وهكذا يتم احتساب عمولة عن كل فرد يدخل عن طريق شخص، كان المسؤول عن إدخاله إلى نظام هذه الشبكة العنكبوتية الضخمة.
تقوم هذه المكملات الغذائية – كما يدّعي صديقي – بدور المنقذ الوحيد للبشرية من الأمراض التي تجتاح العالم، وأنها سوف تقلص عدد المرضى حول العالم، وأنه من يداوم على تناولها سوف يحصل على صحة ممتازة، وسوف يستغرب الكثيرون من حوله كيف أصبح بصحة جيدة مع تقدمه في السن، وإن لم تفد هذه المنتجات لا تضر الشخص الذي يتناولها، فضلا أن هذه المنتجات حصلت على شهادات عالمية من أرقى مراكز البحوث حول العالم، ولذلك حصلت على ترخيص لمزاولة نشاطها بالسلطنة، من خلال ما تقدمه من فائدة عظيمة للبشرية جمعاء.
ويقترح علي الانضمام إلى هذه الشركة بشراء منتجاتها بمبلغ ستين ريالا عمانيا، والتي تؤهلنا تلقائيا إلى الحصول على عمولة عن كل عضو سوف ينضم عن طريقي لهذه الشبكة.
اتفقنا أن أزور فرع الشركة بأحد المدن العمانية، وألتقي بمدير الشركة الشاب العماني، الذي بالغ بالترحيب بي، مكررا الأسطوانة نفسها التي سمعتها من صديقي مع بعض الإضافات التمجيدية لشخصه الكريم، وكفاحه طوال السنوات الماضية، وإيمانه العميق بفاعلية هذه المكملات الغذائية.
بعدها بدأت أطرح الأسئلة عليه، كوني مسوّقا درست ومارست مهنة التسويق في عدد من الصحف، فكان السؤال الأول: لماذا تعمد هذه الشركة على هذه النوعية من التسويق؟ ولماذا لا يوجد لمنتجات الشركة محلات، مثل بقية المنتجات الأخرى؟ ثم لماذا تحتاجون إلى أفراد يقومون بدور مشبوه – هكذا عبّرت له- في عملية التسويق؟ ولا نرى لكم حضورا إعلاميا وإعلانيا: بالصحف، والمجلات، وعبر التلفاز، والإذاعة؟ ولماذا أتباع طرق مثل هذه وهي -كما تقولون- “إنها شركة عالمية ولها أفرع كثيرة؟”.
بطبيعة الحال.. دخلنا في جدال ونقاش طويل جدا، يحاول هو تبرير كل هذه الأفعال؛ ليستفيد الأفراد من المقاصد النبيلة -كما سمّاها- من الشركة ومنتجاتها، وبعدما أبديت له عدم اقتناعي بهذه المبررات التي أوردها على مسمعي، بدأ عليه شيء من الغضب، ومحاولة تقزيمي للظهور أمام الأشخاص الذين كانوا حاضرين وقت حديثنا بالقاعة بأنه على حق، وبأني عنيد ولا أريد الاقتناع، فقلت له: عندي سؤال واحد، ولا انتظر منك إجابة: هل لديكم مكملات غذائية لتهدئة الغضب والأعصاب؟!.
وبعد مرور عدة سنوات على هذه القصة، وبينما كنت في أحد مقاهي القهوة دخل شاب لا يتجاوز عمره الثلاثين عاما، وكان واضحا أنه كان ينتظر أحدا؛ لأنه اختار المكان الأوسع في المقهى، وفعلا بعد دقائق وصل إلى المقهى ثلاث شابات، ورحب بهن، بطريقة مبالغة للغاية، وبدأ حديثه معهن بصوت مسموع، حتى إني وضعت الكتاب الذي كنت أقرأوه على الطاولة، وأنا استمع لحديثه المستفز، والذي أعادني إلى قصة تلك الشركة ومنتجاتها، وطريقة تسويقها، وغش الأصدقاء والأخوة وانخراط الكثيرين، بدون وعي منهم، إلى مخاطر مثل هذه الشركات التي تبيع الوهم للناس.
حاولت – وبكل ما استطعت- أن لا أتدخل، إلا أنني وجدت نفسي بينهم فجأة، واستأذنت بالحديث، وبدأت له شرح مخاطر مثل هذه المنتجات، وأن هذه المنتجات – لو كانت فعلا ذات جدوى وتأثير ولها أهمية – لتنافس الأثرياء لشرائها، ولتنافست شركات الأدوية لبيعها، ولتنافس الناس كلهم للحصول على هذه المنتجات التي تمنح الخلود، كما يروجون لها، إلا أنني وجدته مثل مدير الشركة، معاندا مكابرا مدافعا بشراسة، وبدأ عليه الغضب مني لتطفلي، والقلق من فقدان الشابات اللاتي حضرن للاستماع إلى خطبته العصماء، وقصة نجاحه المثالية، وخطته التي كانت محكمة، ولم يبق إلا اشتراك الشابات في هذه الشبكة العنكبوتية للمكملات الغذائية، هنا قررت الشابات المغادرة، وقررتُ أن أعود إلى الرواية التي كنت أقرأوها (الحالة الحرجة للمدعو ـ ك ـ ) للكاتب السعودي عزيز محمد.