بقلم: د. حمد الرشيدي
لست مستغربا من ردات الفعل الكثيرة على مقالي” إسقاط الولاية مطلب إنساني” الذي نُشر في “شؤون عمانية” بتاريخ ١٢/ أبريل/ ٢٠١٨ ، سواء ما كان ضد فكرته وهو الأغلب، أو كان مع الفكرة وهم الأقل؛ لإني اعتبر الحراك مهما كان نوعه ظاهرة صحية تدل على حياة المجتمع ونضجه، وأحببت أن أعقب على بعض الردود؛
وأولها: دعوى أن هناك إجماعا على اشتراط وجود الولي في العقد، وهذه دعوى باطلة، والسبب في توهم الاجماع؛ أننا رُبينا على سماع قول واحد ورأي واحد وكنا نخفي بقية الآراء حتى يظن السامع أنه قد انعقد الاجماع وحل الاتفاق على ذلك الأمر وأنّ كل رأي بعد ذلك باطل وضلال، ومثاله: الفتاوى بتحريم الغناء ومصافحة المرأة الأجنبية والإسبال، فإنك لا تسمع ركزا لرأي آخر ولا تحس له همسا؛ لأن الفقيه يريد منك تبني ذلك الرأي لأن غيره خارج عن الدين ومناف للحق.
ودعاوى الإجماع بأسرها هي ادعاءات باطلة لأن الإجماع لا يصح إطلاقه إلا إذا أخذت استبيانا عاما وشاملا لكل قادر على فهم النصوص واستباط الأحكام ،وتغولت باستبيانك في مجاهل أفريقيا وعرجت على بلاد شرق الإسلام حتى خرسان وبلاد ما وراء النهر، ثم رجعت للغرب حتى جبال البرنيه بالأندلس حيث وصلت آخر حوافر خيلنا فلم تغادر أحدا من هؤلاء حتى تسأله فإن أجابوك برأي واحد لا خلاف معه كان ذلك إجماعا منهم، وهذا أمر متعذر حديثا فكيف قديما ولذلك يقول ابن حزم: “وليت شعري متى يمكنه التطوف عليهم في آفاقهم! بل ألا يزايلهم إلى أن يموتوا، ومتى جمعوا له في صعيد واحد، ما في الرعونة أكثر من هذا، ولا في الهزل والتدين بالباطل ما يفوق هذا، ونعوذ بالله العظيم من الضلال”، على أن القول بعدم اشتراط الولي في النكاح ورد عن كبار العلماء كأبي حنيفة، وزفر، وأبي يوسف، وغيرهم وبالتالي فالخلاف موجود، ورب قول كان مستنكرا في وقت إلا أنه ناسب العصر الذي نحن فيه وكان أرفق بالناس فترجح دليله وبانت شمس أصالته، ”والأخذ بأضعف الأقوال لمراعاة الأحوال أولى”
كما يقول الإمام محمد الخليلي، هذا إن سلمنا بضعف هذا القول وإلا فإن دلائل قوته لائحة وبراهينه راجحة واضحة ويكفي أن الله تعالى نسب للنساء النكاح بقوله:”فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن”.
على أني لحظت من خلال أغلب الردود انتقاصا من عقل المرأة وتشنيعا على عاطفتها، وخوفا من عاقبة امتلاكها أمرها، فكأنها إن ارتفعت عنها غمامة الولي، وانجابت عن سمائها ظلله وجحيمه، سوف تصبح عاهرة، ماجنة وستجلب على أهلها الفضائح والنقائص، وهذه نظرة متأثرة بأعراف البادية وعادات الجاهلية التي لا تزال تنظر للمرأة نظرة أولئك الحفاة الجفاة رعاة الأبل قبل أن تشرق شمس التحضر، وتزهو رياض العقل، ولعمري إن أغلب النساء كما شاهدت أعقل وأرزن من أغلب الرجال وأثبت وأصبر على الفتن منهم وعقلها وحياؤها يمنعها عن كثير مما يلغ فيه الرجال.
ثم يبلغ الإسفاف مداه في بعض الردود عندما يخاطبك بقوله: “طبق على ابنتك ودع أختك تفعل ذلك” لأنهم لم يتخلصوا من تلك النظرة الدونية البلهاء نحو المرأة فهم يرونها ملكا خاصا بهم وإحدى مقتنياتهم طالبين منك أن تمارس عليها ما تمارسه على الشاة التي تملكها والقينة التي تحوزها وتطبق عليها ما تراه أنت لا ما تريده هي.
يا معاشر القوم: إن المرأة مخاطبة بالتشريع مثلكم، ولها من جزاء الفعل ما لأحدكم، فلا تكونوا أوصياء عليها، ومتى ما اعتدلت نظرتكم نحوها وأرجعتموها لمحلها الرفيع كشريكة لا تابعة فدسوف تزول عنكم غمائم النظرة الدونية.
وأخيرا أقول لبعض النساء ممن انساقت نحو آراء الذكور ووجدت سعادتها تحت تسلط الرجال واعترضت على فكرة المقال ما قاله نزار في بعض روائعه الخالدة:” كيف أستطيع تحرير امرأة تتكحل بعبوديتها وتعتبر قيودها أساور من ذهب تخشخش في معصميها، كيف أستطيع تحرير إمرأة تقف بالطابور أمام حجرة شهريار حتى يأتي دورها؟”.