بقلم : د. حمد الرشيدي
ساءني الحكم الصادر مؤخرا من المحكمة العليا بإبطال عقد زواج لزوجين تزوجا بالخارج وذلك بسبب عدم موافقة الولي، إن اشتراط ولي للزواج هو ضد إرادة المرأة وحريتها في اختيار الزوج الذي ستقضي معه بقية عمرها وتقاسمه حلو الحياة ومرها، فكثير من الأولياء للأسف يستخدمون هذه الولاية استخداما سيئا بل ودنيئا فتراهم يمنعون موليتهم من الزواج حتى تغدو عانسا وذلك خوفا على فوات راتبها أو ميراث أهلها أن يذهب لغيرهم، أو يرفضون من اختارته ليزوجوها بمن شاءوا ممن لا ترتضيه ولا تحبه فتصير حياتها جحيما لا يطاق، وهذا أمر مشاهد لا ينكره أحد، إن التشدق بأن المرأة صارت حرة في حياتها ولها كامل الأهلية في جميع أمورها يتناقض وهذا الشرط في عقد الزواج، وإذا كان الإسلام جعل للمرأة أهلية في مالها واعتبرها حرة التصرف فيه فإن أهليتها في اختيار من شاءته زوجا يجب أن تكون حرية غير منقوصة، وإذا كان وجود الولي مبررا بحجة أن المرأة عاطفية وقد يغرر بها فهذا ليس مبررا بل هناك الكثير من الأولياء يكونون عاطفيين وتكون اختياراتهم كارثية أيضا، ربوا المرأة تربية صحيحة في البيت وعلموها وثقفوها تثقيفا عاليا ثم اتركوها تمارس حريتها في اختيار شريك حياتها فهي المسؤولة أولا وأخيرا عن قراراتها، دعوها تخطئ وتصيب كما يخطئ الرجل ويصيب، فهي انسانة مكرمة ولها مشاعر وأحاسيس، لا تهدموا أمانيها ولا تقفوا حجر عثرة أمام طموحها ورغبتها، وإذا جئنا للإسلام فإن لنا في نصوصه مستندا ودليلا على أن للمرأة الولاية على نفسها وذلك في الرواية المشهورة حيث إن امرأة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيسته وأنا كارهة فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فجعل الأمر إليها. فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي وإنما أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء، وهذا نص في موضوعنا بأن مرجع الأمر كله للمرأة وليس للأب من ذلك شيء، وحتى الحديث الذي استندوا إليه”لا نكاح إلا بولي” فليس نصا في الموضوع ذلك لأنه يحتمل أن يكون المقصود (لا نكاح كامل) كما هو معنى حديث ” لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد” أي صلاة كاملة وإلا لأمرنا من صلى في بيته أن يعيد صلاته، أو يقال أن الولي هنا هو المرأة فهي ولية نفسها فكأن الحديث يشير إلى أنه يشترط وجود الولي فإما أن تكون المرأة ولية على نفسها إن كان عاقلة بالغة مختارة أو يكون غيرها إن كانت فاقدة الأهلية أو ناقصة الأهلية لجنون أو عته أو صغر، ومن المسلم به أصوليا أن الدليل إن طرقه الاحتمال فسد به الاستدلال، وإن تعجب فاعجب من فقه يجعل ولي المرأة في الزواج ابنها إن كان أباها متوفى، ذلك الابن الذي ربته وغسلته وأطعمته وعلمته ثم يكون هو القيم عليها لا تتزوج إلا بإذنه ورضاه، أي مهانة أكبر من ذلك وأعظم، ولذلك ينبغي للدولة المدنية أن تسن قوانينها وفق هذه الرؤية الإنسانية وأن تعدل قانون الأحوال الشخصية ليتواكب مع حقوق الإنسان، فليس معقولا أن تكون المرأة حاكمة ووزيرة ووكيلة وفي أعلى المناصب ثم يبقى زواجها معلقا بموافقة ولي؟!!.