الكاتبة: لمى دعدوش *
تعترض الإنسان السوي مجموعة مختلفة من المشاعر المتعارضة و المتناقضة فيجد نفسه حائرا مضطربا بين ما يمليه عليه عقله و تفكيره و بين ما تمليه عليه مشاعره، فينأى بنفسه ليجد حلا لما يصطرع في نفسه من خلاف و آراء متضاربة، لا يدري أيها هو الخطأ و أيها هو الصواب .
و هنا يهرع إلى عقله ( المنقذ ) ليستنجد به، وتجد العقل الحكيم يخبره بمراده ( ما دام في بعد عن سلطان المشاعر و سيطرتها )، فما إن تنفك عنه حتى يأخذ أنفاسه و يفتح آفاق المنطق ليفكر و يحلل و يدرك و يقرر بعدها.
لعل في التناوب بين العقل و القلب تلك المنحة الإلهية التي تستدعي فينا التوازن الحياتي لنحيا بالعقل تارة و بالعاطفة تارة أخرى …
و لكن لمن الفصل و الفيصل في الميدان ؟؟
و من سيحل ذاك السجال بين العقل و القلب ؟
و لمن الغلبة و الهيمنة ؟؟
لا شك أن للقلب مكانا هاما لا يختلف فيه اثنان و قد وصف في الخبر النبوي بما يؤكد دوره و مكانه في النفس : ” أعرف في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا و هو القلب “؛ فالقلب هو محور الحياة و الفكر و الروح و هو مناط الفساد و الصلاح و مركز الموت و الحياة ، و يذكر الله تعالى العقل في جل آياته الكريمات مؤكدا إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ..
ما هي تلك العلاقة الدقيقة بينهما ؟؟؟
يقول أينشتاين كلاما رقيقا راقيا في وصف كلا منهما بوصف دقيق يعبر عن ماهيتهما : ” القلب هدية قدسية ربانية و أما الدماغ فهو الخادم المطيع له”
يا لروعة القلب و صفته؛ فهو هدية قدسية من السماء لنشعر و نستشف و نستشعر بحدسنا و نفكر بعقل قلوبنا فيظهر الجانب الروحي السامي في جوانب حياة الإنسان الأساسية التي لا يحيا بدونها حياته الطيبة.
و في الجانب الآخر من المعادلة نجد العقل فاردا شراعه و ناصبا ميزانه و معلنا سطوته ليخبر الجميع: ” أنا الأساس لا محالة “، و الحق يقال فالعقل سيد الأمور و القضايا و الأحكام و العقل سيد الحياة و النجاة .
إلا أننا إذا تفكرنا في عبارة أينشتاين قليلا لوجدنا أنه ذكر الدماغ لخدمة القلب و ليس العقل.
فالدماغ هو ذاك العضو المادي الفيزيائي في الرأس الذي يتحكم بالخلايا و الأعصاب و يوجهها فهو من يدير الجسد كاملا ….تلك هي وظيفته المسندة إليه ممن خلقه و أوجده فيه و نجد أن الدماغ هو المطيع للقلب و ليس العقل .
أي أن الدماغ بإرساليته و أوامره يطيع القلب في ما يشعر فإن شعر بالسوء استاء الجسم معه و ظهرت الأمراض و الأعراض و إن فرح القلب و استبشر استبشرت الأعضاء و رقصت الجوارح معه كذلك، و هذا ما يفسر العامل النفسي في الأمراض و إن كان هو سبب الأمراض العضوية كلها تقريبا .
نعود أدراجنا إلى العقل ..و نفتح له الباب ليخبرنا عنه …
فالعقل سمة الدهاة و المفكرين و المبدعين ….
نتساءل هنا …
أين مكان العقل من الإنسان إذاً ؟؟
فالقلب مركز الروح و البصيرة و اللب و الجنان
و الدماغ يرسل أوامره الخفية ليدبر ما دبره القلب من قبل و يكمل ما بدأه ….
و العقل ؟؟؟؟
العقل يا سادة نوعان: عقل في الدماغ يرسل الأوامر إلى الخلايا حسب مجريات الجسد و ما فطره الله عليه، و عقل في القلب ألا و هو عقل القلب، فللقلب ذاكرة و أعصاب و تفكير و مشاعر و ليس خزان مشاعر فقط ..
من ملك عقل قلبه …قد ملك خير كل شيء …
فالتوازن بين العقل و القلب في مواجهة الحياة و تخطي أزماتها و تحويلها من حلبة صراع إلى ميدان عمل و ساحة متعة للوصول إلى راحة بال و هدوء نفس و إنجاز عمل و صفاء علاقة …..
هو من أجمل ما يمن به عقل القلب على الإنسان؛ حيث يريه القلب بعين بصيرته ما غاب عن عين بصره ..
و يدرك بالعقل و فكره النير ما غاب عن أفق حواسه إدراكه، فيجتمع النوران في جسد إنسان أراد أن يحيا بنور كامل، يرى و يبصر و يدرك و يعطي و يكون ممن أخلص لله في روحه و قلبه فتفجرت ينابيع الحكمة و العلم و الإدراك العالي في عقله في انسجام جميل و تناغم رائع، ثم فاضت من عقل قلبه على لسانه ..فتناثرت الحكمة من ثناياه …و أشرق بالنور .
فعقل مع قلب و قلب مع عقل، يا بشرى من حظي بذاك، و هذا ما يفسر حكمة قلوب الحكماء حين تبهرك الكلمات و المعاني و تأسرك روح تلك القلوب.
**مديرة مؤسسة ” بصمة حياة ” للتدريب، ومدربة تنمية ذاتية وتطوير شخصي وبرمجة لغوية عصبية.