الكاتبة: الدكتورة بدرية بنت جمعة الشعيبية *
يعد هذا الكتاب الأول من نوعه ؛ فهو أول بحث لباحث عماني تحدث عن مفهوم التسامح والتفاهم والتعايش الديني في حكومة السيد سعيد بن سلطان. والمطلع على هذا الكتاب يتبين له ذلك التسامح جليا للعيان كمنهج حياتي تعاملي طبق على أرض الواقع في شتى ميادين الحياة المختلفة ، وليس مجرد شعارات أو نظريات ومفاهيم لا تتعدى الجانب النظري ؛ بل يعتبر عصر السيد سعيد بن سلطان أنموذجا فريدا من نوعه في تطبيق ثقافة التعايش الانساني والتفاهم الديني في شتى ميادين الحياة ، وعلى كل الأصعدة في مراتب الدولة وجوانبها المختلفة.
استفتحت الباحثة صفحات لكتاب بالعبارات الآتية :
” تولى السيد سعيد بن سلطان الحكم ( 1804- 1856 م ) ليرث عن أبيه دولة مترامية الأطراف ، تشمل قسما آسيويا ضم عمان وساحل الخليج العربي وصولا إلى البحرين ، و قسما افريقيا ضم السواحل الشرقية من قارة إفريقيا من مقديشو شمالا وحتى رأس دلجادو ( Cape Delgado ) في جنوب الساحل الشرقي ، ومن البر الإفريقي وحتى البحيرات الاستوائية .
فمنذ توليه الحكم والسيد سعيد في حركة دؤوبة ونشاط لا يفتر من أجل تحقيق هدفين أساسيين وضعهما نصب عينيه أولهما : الحفاظ على الأمن والاستقرار في دولته ،و ثانيهما : تطوير الجانب الاقتصادي والرقي به عن طريق تنويع مصادر الدخل ، ولتحقيق هذين الهدفين سعى في بداية الأمر إلى تقوية الأسطول التجاري العسكري . وفي عام 1248هـ / 1832م اتخذ من زنجبار عاصمة ثانية لدولته ؛ وجاء هذا القرار لخدمة الهدف الثاني وهو تنويع مصادر الدخل ، حيث أن شرق إفريقيا غني بموارده الزراعية وأن حركة التجارة سواء الداخلية أو الخارجية أكثر نشاطا من القسم الأسيوي ، فقرر الانتقال إلى شرق إفريقيا للعناية بالزراعة وتحسينها وتطوير التجارة الداخلية والخارجية .
ومن العوامل الهامة التي ساهمت في نجاح السيد سعيد في إدارة دولة مترامية الأطراف ، متعددة الأعراق ، متنوعة الديانات والمذاهب ؛ رؤيته لهذا التنوع بأنه إثراء لدولته وعامل هام لازدهارها وتطورها . فتعامل مع هذه التعددية بتسامح فريد من نوعه ، طبق من خلاله النهج المحمدي الشريف في التعامل بتسامح مع مختلف الأجناس والأديان . هذا التسامح أدى إلى مجتمع تلاحم جميع أفراده واصبحوا يشكلون وحدة بناء واحدة ، تسعى لتطوير بلادها ، ونبذ كل ما من شأنه إعاقة تقدم دولتها ، وتشتيت وحدتها ، وتهديد أمنها القومي . نجح السيد سعيد في تحقيق مالم يستطع كثير من الحكام تحقيقه ، فالتاريخ شهد سقوط الكثير من الدول بسبب الطائفية ، وتميز فئة من الناس على غيرها مما يترتب عليه التباغض والتشاحن ، وبالتالي سقوط الدولة وضياعها “.
ثم تقول الباحثة :
” و لقد حقق السيد سعيد النسبة والتناسب ، في توزيع السلطات والثروات ونجح في تقريب الكل من مجلسه ، وزرع محبته في قلوب الصغار قبل الكبار . ناقش هذا الحياة السياسية والاجتماعية في الجزء الإفريقي من الإمبراطورية ؛ وذلك نظرا للتنوع السكاني و العرقي والديني في الجزء الإفريقي أكثر من الجزء الآسيوي ، وبالتالي تتضح سياسة السيد سعيد المتسامحة فيه بشكل أوضح ويمكن تحديد ملامحها بشكل أدق ” .
تناول الكتاب سياسة التسامح التي اتبعها السيد سعيد من خلال المحاور التالية :
المحور الأول : واشتمل على :
- تعريف التسامح :
أنه الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الانسانية المختلفة .
- أنواع التسامح : وتشمل :
أ – التسامح الفكري : وهو آداب الحوار والتخاطب وعدم التعصب لأفكار الشخصية والحق في الابداع والاجتهاد .
ب – التسامح الديني : هو التعايش بين الأديان ، بمعنى حرية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري
- أسس التسامح : وتشمل :
- وحدة مصدر الديانات الربانية .
- أخوة جميع الانبياء والرسل
- لا إكراه في الدين .
- احترام الاديان ودور العبادة
- البر بأهل الكتاب وحسن المعاملة لهم
- إجارة المشرك إذا استجارك
- لا عداوة بين المسلمين
المحور الثاني :
واشتمل على ملامح شخصية السيد سعيد :
ولخص الكتاب ملامح شخصية السيد سعيد في النقاط التالية :
- التربية الدينية الرصينة والتنشئة على المبادئ الانسانية النبيلة .
- دور الأسرة وخاصة الأم في غرس بذور الحب والدين والأخلاق النبيلة .
- سعيد بن سلطان الأب : كيفية تعامل السيد سعيد مع أبنائه وبناته .
- سعيد بن سلطان الزوج : كيفية تعامل السيد سعيد مع زوجاته وقد ضمن الكتاب كثيرا من المواقف التي تدل على نبل السيد سعيد وعدله .
- سعيد بن سلطان رب الأسرة : كيفية تعامل السيد سعيد مع الأسرة و ما اشتمل عليه القصر من أقارب وخدم وعمال .
المحور الثالث :
- العناصر السكانية في شرق إفريقيا زمن السيد سعيد بن سلطان :
ولإبراز مظاهر التسامح الديني فقد وقف الكتاب على تفنيد العناصر السكانية في دولة السيد سعيد ليبين التعددية العرقية والدينية والثقافية وكيفية الاستفادة منها والطريقة التي تعامل بها السيد سعيد مع هذه التعددية ، وجاء ذلك على النحو التالي :
- عرب شبه الجزيرة العربية :
وشمل عرب الجزيرة وعمان واليمن والشام وقبائلهم وتواريخ هجراتهم وأماكن استقرارهم في شبه القارة الافريقية ودورهم في حكومة السيد سعيد .
- السواحليون :
هم خليط من أصول عربية وفارسية تزوجوا بالإفريقيات واستقرت هذه الجماعات منذ القرن الأول الهجري في السواحل الافريقة .
وعرض الكتاب ممواطن استقرارهم وتوزيعهم وقبائلهم ، كيفية تعامل السيد سعيد مع هذه الجماعات ، وكيفية الاستفادة منهم ومزجهم مع العنصر العربي
- القمريون :
عرض الكتاب العناصر السكانية التي قدمت من جزر القمر التي تبعد عن زنجبار 250 ميل ، وتعود أصول سكان جزر القمر إلي مزيج من أربعة عناصر.
أولا : العنصر العربي : حيث سافر عدد من عرب شبة الجزيرة العربية وخاصة من اليمن وعمان .
ثانيا : العنصر الإفريقي : وتعود أصولهم إلى قبائل البانتو في البر الإفريقي ثالثا : العنصر الملايوي : حيث هاجر إلي جزر القمر في القرن الرابع الميلادي جماعات من الصين ومن إندونيسيا والملايو وهؤلاء تمازجوا مع العرب و الأفارقة .
رابعا : العنصر الشيرازي : وهؤلاء بدأت هجرتهم في القرن السادس الميلادي واستمرت بعد ظهور الإسلام بشكل أكبر .
- السودانيون :
عرض الكتاب هجرة القبائل السوددانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أعداد من الدناقلة وهي إحدى القبائل النوبية إلى جنوب السودان ، كما هاجرت أعداد من شمال السودان مثل أفراد من قبيلة الجعليين وقبيلة الشايقية
- الفرس :
كذلك عرض الكتاب الهجرة الفارسية، فقد هاجر الفرس من شيراز بأعداد كبيرة واستقر أكثرهم في جزيرة بمبا .
- البلوش :
قدم بعضهم مع السيد سعيد وعملت نسبة كبيرة منهم في الجيش، وعرف عنهم ولاؤهم الشديد للسيد سعيد .
- الزدجال :
عملوا جنودا لدى السيد سعيد وعرف عنهم أيضا ولاؤهم الشديد للسيد سعيد .
- الهنود :
سكن الهنود الساحل الشرقي لإفريقيا منذ فترة متقدمة ، ومنهم الخوجا khojas الذين قدموا في القرن الخامس عشر، وهم مسلمون من الفرقة النزارية الإسماعيلية ، ومن الهنود أيضا البانيان Banians ، وهم طائفة هندوسية .
عرض الكتاب دور الجالية الهندية في حكومة السيد سعيد بن سلطان وكيفية الاستفادة منهم في تولي بعض المناصب في الدوال وتسير بعض الأمور الاقتصادية .
- الأفارقة :
تحدث الكتاب عن القبائل الإفريقية وقدومهم من البر الإفريقي وكانت أعدادهم تتزايد وتتناقص حسب مواسم التجارة، حيث عملت أعداد كبيرة منهم في نقل البضائع، والزراعة مما أدى إلى استيطان أعداد كثيرة منهم في جزيرتي زنجبار و بمبا .
- – الأوروبيون :
عرض الكتاب تقسيم السكان الأوربيين حسب تعدادهم في ذلك الوقت وجاء على النحو التالي :
استقر الاوربيون في شرق إفريقيا كتجار أو موظفين في القنصليات الخاصة ببلادهم ويقدر أعدادهم عام 1900م في زنجبار على النحو التالي :
- الإنجليز 60 شخصا .
- الألمان 40 شخصا .
- الايطاليون 30 شخصا .
- الفرنسيون 25 شخصا .
- النمساويون 12 شخصا .
- البرتغاليون 800 شخصا .
- اليابانيون 12 شخص
- الديانات :
عرض الكتاب تنوعا فريدا للتعددية الدينية في حكومة السيد سعيد بن سلطان وجاء توزيع التعددية الدينية على النحو التالي :
- المسلمون :
عرض الكتاب توزيع المذاهب الإسلامية في حكومة السيد سعيد على النحو التالي :
ومن المذاهب الإسلامية الموجودة في شرق إفريقيا :
- المذهب الإباضي : وهو المذهب الرسمي للدولة بحكم أن البوسعيديين إباضيي المذهب ، كما هاجر عدد كبير من الإباضية إلي شرق إفريقيا .
- المذهب الشافعي : وشمل عددا من الحضارمة والقمريين والعمانيين وعددا من سكان شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام .
- المذهب المالكي : واعتنقه عدد من النوبيين في شمال غرب أوغندا ، والنوبيون الموجودون في زنجبار .
- المذهب الحنفي : دخل شرق إفريقيا مع الهنود المأمونيين ، و دخلت الصوفية شرق إفريقيا مع الحضارمة .
- الشيعية والاثنا عشرية :دخل المذهب الشيعي عن طريق هجرة بعض القبائل العربية والفرس والهنود حاله كحال بقية المذاهب .
ب – النصرانية :
كانت بين الأفارقة نظرا لجهود الحملات التنصيرية ودورها في نشر النصرانية عن طريق توفير الغذاء والمأوى للأفارقة .
ج- الوثنية :
وتعتبر من أكثر الديانات انتشارا بين الأفارقة ، فلكل قبيلة عادتها وطقوسها الدينية التي تؤديها .
المحور الرابع :
مظاهر التسامح الديني في حكومة السيد سعيد بن سلطان
عرض الكتاب مظاهر التسامح الديني والكيفية التي اتبعها السيد سعيد في التعامل مع رعيته ، وذلك من خلال عرض أبرز موظفي حكومة السيد سعيد سواء من الوزراء والسفراء والولاة والقضاة والقادة العسكرين ، وتم تصنيفهم كل حسب مذهبه الديني للوقوف على الآلية التي اتبعها السيد سعيد في تعيين موظفيه ، ثم استعراض الجوانب الكتاب المظاهر الأخرى من التسامح ، كترك الشؤون الداخلية للقبائل في يد زعمائها ، وحرية حضور المجالس السلطانية ، وحرية التجارة ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وغيرها من المظاهر .
- تعيين الموظفين بناءً على الكفاءة بغض النظر عن جنسه ولونه وديانته أو مذهبه .وشمل ذلك تعيين :
- الوزراء والمستشارون .
- تعيين الولاة .
- تعيين القضاة .
- تعيين القادة العسكريين .
- توزيع السلطة بين السيد سعيد ورؤساء القبائل .
- حضور المجالس السلطانية .
- حرية مزاولة التجارة .
- حرية ممارسة الشعائر الدينية .
- حرية التقاضي : ويقصد بها حرية التقاضي كل حسب مذهبه وهنا يتبين سماحة الفكر الذي يتمتع به السيد سعيد .
- عدم تعريض الرعايا للخطر .
- حرية الاحتفال بالأعياد والمناسبات وإقامة الشعائر والطقوس كل حسب مذهبه وديانته .
- حرية التملك :
وتعني حرية تملك المال والعقار والمزارع وغيرها من الممتلكات لجميع رعايا الدولة .
- حرية نشر الأديان :
ولا تعني نشر الدين الاسلامي فقط ، بل سمح السيد سعيد للنصارى بنشر ديانتهم ومعتقداتهم أيضا وهذا دليل واضح على التعايش الديني وحرية ممارسة الأديان .
المحور الخامس : نتائج التسامح الديني :
ثم عرض الكتاب نتائج سياسة التسامح على المجتمع الإفريقي والآثار البعيدة المدى لهذه السياسة على النهضة الحضارية التي شهدتها شرق إفريقيا في ظل الدولة البوسعيدية .
والتي كان من أبرزها :
- ومن أبرزها انتشار الدين الإسلامي واللغة العربية .
- دور العلماء في نشر الدين الإسلامي .
- ونشر ثقافة التسامح الديني بين الرعية
- انتشار الطابع الإسلامي العربي العماني في كافة جوانب الحياة في شرق إفريقيا .
- انصهار جميع شرائح المجتمع مع بعضهم البعض .
- ازدهار المدن الساحلية لشرق إفريقيا .
- توغل العمانيون داخل القارة الإفريقية ز
- تكوين إمارة عمانية في أواسط إفريقيا .
- مساهمة جميع أفراده في بناء المجتمع سواء عن طريق التبرع بالممتلكات والأموال ، أو عن طريق الزراعة والصناعة والتجارة .
- أنتشار اللغة العربية بين الأفارقة .
- انتشار الديني الاسلامي في بقاع البر الأفريقي .
- ترجمة معاني القرآن إلى اللغة السواحيلية .
- انتشار المدارس .
- انتشار المراسلات العلمية والمناظرات .
- انتشار التأليف والرد على مؤلفات غير المسلمين
- انتشار الرحلات العلمية .
- هجرة عدد من العلماء إلى زنجبار كونها مركزا حضاريا .
- طباعة الكتب على النفقات الشخصية .
- انتشار الطابع الاسلامي العربي العماني في الحياة اليومية والعمران .
- احترام العلماء وتكريمهم .
- تعلم اللغة السواحيلية والانجليزية بين العرب .
- تقدير الدول العظمى واحترامها للسيد سعيد وحكومته .
- احرام الرعايا الأوروبيين للسيد سعيد وتقديرهم له .
- انصهار جميع شرائح المجتمع مع بعضهم البعض في التعامل والتزاوج والمصاهرة .
- التبرع بالأموال والممتلكات من قبل الرعايا في بناء المساجد والمدارس وغيرها .
- تكوين إمارة عمانية داخل البر الأفريقي .
- سياسة السيد سعيد في التعايش والتفاهم مبدأ سار عليه سلاطين الدولة السعيدية فيما بعد .
وختمت الباحثة الكتاب بهذه العبارات الجميلة :
نجح السيد سعيد في تحقيق مالم يستطع كثير من الحكام تحقيقه ، فالتاريخ شهد سقوط الكثير من الدول بسبب الطائفية ، وتميز فئة من الناس على غيرها مما يترتب عليه التباغض والتشاحن وبالتالي سقوط الدولة وضياعها . وفي وقتنا المعاصر حين يتتبع الفرد معنا نشرة الأخبار يلحظ مدى المشاكل التي تعانيها كثير من الدول ، وما مرد ذلك إلا تسلط فئة على غيرها من الفئات وحيازتها للسلطة والثروة .
أما السيد سعيد فلقد حقق النسبة والتناسب ، فقد وزع السلطات والثروات ونجح في تقريب الكل منه ، وزرع محبته في قلوب الصغار قبل الكبار والقاصي والداني وتعامل مع هذه التعددية بحكمة ونظرة ثاقبة وما رسخ في قلبه من وإيمان صادق بالمبادئ العظمى التي جاء بها الدين الحنيف وطبقتها السنة المشرفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
- كاتبة وباحثة، صدر لها العديد من المبحوث والدراسات منها بالإضافة إلى هذا الكتاب: قلهات عاصمة مالك بن فهم، عصر الولاة في الأندلس 711 – 755 ، دور المرأة السياسي في شرق أفريقيا، قراءة في كتاب حتى الملائكة تسأل لجفري لانج، عمان من خلال زيارة الرحالة الأمريكي لوكر، تأثير الأمطار والجفاف على الإنسان العماني من القرن الأول الهجري وحتى القرن الخامس عشر الميلادي.