الكاتب: المهندس علي بن جعفر اللواتي
قبل عامين في صيف 2015م، كنتُ أبحثُ عن كتابٍ جديدٍ يؤرّخُ التحولات في فترة عصر النهضة في عمان، ويستعرض الجوانب الثقافية والاجتماعية في عمان في آن، فمعظم الكتب التي وقعت في يدي كانت قديمة، صدرت في الثمانينات إلا من بعض المطبوعات السنوية التي تصدر في الأعياد الوطنية تفتخر بمنجزات التنمية ومشاريع تم تنفيذها، كانت حاجتي إلى كتاب بتاريخ حديث؛ فوجدتُ صدفةً أثناء البحث كتابًا سيصدر من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ثلاثة أشهر في سبتمبر 2015م، ومعروضًا للبيع بالحجز المسبق، على موقع متجر الأمازون، بعنوان: “عمان فجر جديد”، كانت نبذة الناشر تتضمن تعليقًا للسفير البريطاني السابق في السلطنة سعادة نويل جيه. جوكيان: “أن عمان قصة من الذاكرة الحديثة، ذات إرثٍ حضاريّ مختلف، وقيادة مستنيرة، وتفاعل فريد بين الأصالة والمعاصرة”.
كنتُ مترددًا قليلا فهناك العشرات من الكتب التي كُتبت لأغراض تجارية وتسويقية، ومن حسن الحظ أن الناشر وفّر صفحات من الكتاب مع الفهرست للاطلاع، فوجدت لغة الكاتبة البروفسورة “ليندا باباس فانش” بسيطة جدًا، غنية بالمشاعر، تلامس القلب، على الرغم من أن الناشر أكاديمي.
تقول الكاتبة: “زرتُ عُمان لأول مرة في عام 1974م، في مهمة بحثية، وكان لي من العمر آنذاك 18 عامًا، وكنت حينها في العاصمة اللبنانية بيروت عضوةً ضمن فريق دولي متخصص في مجال الأمومة والطفولة والتغذية والتعليم للأسر الريفية، وعندما وصلت إلى عُمان لم يكن هناك سوى فندق واحد هو فندق بيت الفلج، الذي يقع بالقرب من المطار آنذاك، ولم تكن هناك شوارع معبّدة، والتنقل كان صعبًا – وسط تضاريس قاسية- للوصول إلى ولاية نزوى؛ لجمع بعض المعلومات، واستغرقت الرحلة من مسقط بالسيارة يوما كاملا، وبعد 32 عاما، تلقّيتُ دعوةً لزيارة عُمان من جديد؛ وعند الوصول إلى مسقط كانت مفاجأة مذهلة، النظر لحجم التغيير الكبير الذي طرأ على هذه الأرض، بل وأصبح اسم عُمان لاعبًا رئيسيا على الساحة الدولية في العديد من القضايا”.
إن ما يميّز هذه الكاتبة عن غيرها ممن أرّخوا لفترة عصر النهضة أنها شاهد عيان لميلادٍ جديدٍ لعُمان، تحدثت في كتابه عن تفاصيل كيفية استقبال عُمان للحداثة دون الإخلال بالتراث، بل والحفاظ عليه، من خلال المعمار واللباس ومختلف شؤون الحياة، والتمسك بهوية عُمانية وسط تحديات العولمة وآثارها الثقافية، على سبيل المثال، تقول الكاتبة: إن الموظفين الحكوميين كانوا يلبسون الأزياء الغربية الرسمية في مطلع السبعينات، إذ بدا لهم ذلك تجسيدا للحداثة، إلا أن تلك النزعة سرعان ما تغيّر اتجاهها فأصبح الزي الوطني هو اللباس الرسمي في المكاتب الحكومية.
إن لعُمان جذورًا راسخة في التاريخ ولم تسمح القيادة للتقليد اللاواعي أن يعيق التقدم أو أن يؤثّر سلبًا على التراث؛ فكان المهندس المعماري لهذا البلد هو جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي تمكّن من بناء بلدٍ ليس بالحديث فقط، إنما بناء بلد محافظ على ثقافته وإرثه.
يأتي الكتاب في سبعة فصول، في الفصل الأول: تستعرض الكاتبة المقومات التي تتمتع بها السلطنة جغرافيا وثقافيا، والتي كان لها الأثر في البناء، ثم في الفصل الثاني: تتحدث عن بعض التحديات التي واجهت النهضة الحديثة انتهاءً برجل النهضة السلطان قابوس، وفي الفصل الثالث: كُتِبَ بداية جديدة لعمان، وتتضح في هذا الفصل تفاصيل جميلة عن الهُويّة العُمانية، التي حاول جلالته رسمها، من خلال التفاصيل العمرانية والاجتماعية، وفي الفصل الرابع والخامس: تستعرض بعض المنجزات الحديثة، التي تتعدى الجانب المادي لتذهب إلى ما وراء ستار الثقافة، ثم في الفصل السادس: تذهب إلى علاقات عمان ودورها في الساحة الدولية، ثم يأتي الفصل الأخير مستعرضا بعض التحديات المستقبلية.
الجدير بالذكر أن الكتاب تُرجِم إلى اللغة العربية في العام التالي لصدوره، عبر مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية.
*مهندس معماري