مريم الشكيلية
خرجتُ مرةً للتنزّه في أحد الأماكن الجميلة في مدينتنا، واستغرقت النزهة قرابة الساعتين، وجلستُ في أحد المقاهي الحديثة والجميلة، وأكلتُ ألذّ الأطعمة التي أحبها. ثم تكرّر الأمر بعد فترة وجيزة وخرجتُ مع عائلتي في سياحةٍ واستجمامٍ لأيامٍ معدودة.
الغريب في الأمر أنّني لم أشعر بالسعادة المطلقة، تلك التي تخرج من الأعماق، أو ذاك الشعور المنعش الذي يتغلغل في النفس ويجعلك في راحةٍ وسعادةٍ لأنك تقضي يوماً جميلاً… فسألتُ نفسي: لماذا لستُ سعيداً؟!
بعد التفكير العميق في الأمر، وبعد تكرار خروجي وشعوري بالفتور وانعدام السعادة في الفُسَح التي أقضيها، تبيّن لي حقيقةٌ لربما تكون صحيحة أو أقرب إليها، وهي أنّ تواجدنا في أماكن مختلفة وجميلة، ورحلاتنا، أو قضاؤنا أوقاتاً خارج المنزل لا يعني بالضرورة أن نكون سعداء جداً، لدرجة أننا نسأل أنفسنا: لماذا لم نعد نشعر بالراحة والسعادة من أعماق قلوبنا؟!
لربما هناك أمرٌ آخر غفلنا عنه، أو تجاوزناه، وهو أننا لا نستطيع أن نشعر بالفرح والسرور، حتى وإن كنا في أجمل الأماكن ومع أحبابنا وأصدقائنا، لأننا في الحقيقة منهكون فكرياً بأمورنا ومشاغلنا الحياتية، وحتى مشاكلنا؛ نحمل أعباء الحياة حتى في أجمل اللحظات، لدرجة أننا لا نستطيع أن نستشعر التغيّر الذي نحن فيه، أو روعة الحضور وجماله.
لماذا إذن نصرف أموالنا، ونقتطع من أوقاتنا لنكون في نزهاتٍ لا يتواجد فيها إلا الجسد، بينما فكرنا وعقولنا مقيّدان بسلاسل الهموم والحسابات والتوقعات المفزعة والقلق المتواصل؟!
وليس هذا فحسب، وإنما قد تزيد الطين بلّة حين نجلس في تلك الجلسات الجميلة، التي من المفترض أن تكون جلسات استجمامٍ وهدوءٍ ووناسةٍ وبهجة، فنأتي بأحاديث ثقيلة ومواضيع متعبة عن أنفسنا أو عامة، إمّا تُدخلنا في نقاشاتٍ حادةٍ متعبةٍ للنفس والعقل، وإمّا تنبش في أنفسنا مآسي وألماً وخوفاً وقلقاً، في حين أننا خرجنا للترويح عن النفس والسكينة، وإعادة ضبط اضطراباتها والاسترخاء من الهموم وتراكمات الحياة.
كما خطر في نفسي سؤالٌ مفزع، وهو: لماذا لم نعد نشعر بتلك الراحة ونحن في لحظاتٍ من المفترض أن تكون سعيدة؟!
هل لأننا اعتدنا الشعور بالقلق والتوتر والحزن؟ أم لأننا فقدنا الشعور بالسعادة والهدوء في دواخلنا، لأننا نقضي أكثر أوقاتنا وأحاديثنا في همومٍ وثِقَلٍ لدرجة أننا نشعر بأن أعصابنا مشدودة طوال الوقت؟!
أنا لا أتحدث هنا عن الخروج من المنزل للشعور بالسعادة، وإنما حتى المكوث فيه قد يجعلنا سعداء جداً أو مثقلين بالهموم جداً. الأمر لا يرتبط بالمكان والزمان فحسب، وإنما مرتبطٌ بالأشخاص الذين تتواجد معهم؛ فإن كنتَ مع أشخاصٍ يبعثون الفرح والبهجة في نفسك فسوف ينعكس شعورهم وحالتهم عليك، والعكس صحيح؛ إن كنتَ متواجداً مع أشخاصٍ – مع الأسف – عصبيين، أو يكون حديثهم كله عن مواضيع متعبةٍ ومفزعة، فقد تجد نفسك متوتراً وخائفاً حتى وإن كنت في أجمل الأماكن.
أحياناً كثيرة قد تكون في بيتك فتشعر بالهدوء والراحة النفسية، فهذا يعتمد عليك: على مدى رضاك أولاً عن حياتك ومسار قدرك، وثانياً على مدى قدرتك على التحكم بتقلبات الحياة معك.
هل أنتَ ممن يعيشون طوال الوقت في قلقٍ ولا يعطون للسعادة حقّها من العيش؟ أم إنك ممن يُحسنون ضبط اضطرابات النفس؟