المحامي أحمد بن حسن بن إبراهيم البحراني
صدرت اللائحة التنظيمية لعمل عمال المنازل ومن في حكمهم بموجب القرار الوزاري رقم ( ٥٧٤/٢٠٢٥)
أولًا: تمهيد – الإطار التشريعي العام
صدر القرار الوزاري رقم (٥٧٤/٢٠٢٥) عن وزارة العمل في سلطنة عُمان، لإصدار اللائحة التنظيمية لعمل عمال المنازل ومن في حكمهم، استنادًا إلى أحكام قانون العمل العُماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٣٥/٢٠٠٣، وبهدف تنظيم علاقة العمل بين فئة العمالة المنزلية وصاحب العمل على نحو يتفق مع المبادئ القانونية والإنسانية الحديثة.
وقد جاء هذا القرار ليحل محل القرار الوزاري رقم (١٨٩/٢٠٠٤)، الذي كان يُنظم عمل المستخدمين بالمنازل، وليقدّم صيغة أكثر شمولًا وتفصيلًا استجابة للتطور الاجتماعي والاقتصادي وللمتغيرات في سوق العمل.
ثانيًا: العلة التشريعية من إصدار اللائحة
يمكن إجمال الغاية التشريعية من هذه اللائحة في ثلاث علل رئيسية مترابطة:
1. سدّ فراغ تشريعي امتد لعقدين
منذ صدور لائحة ٢٠٠٤، ظل تنظيم عمل العمالة المنزلية مقتصرًا على نصوص موجزة لم تعد تواكب الواقع العملي أو تحمي حقوق الطرفين.
ومن ثمّ، جاءت اللائحة الجديدة لتملأ هذا الفراغ التشريعي عبر تحديد الالتزامات والحقوق تفصيلًا، ووضع آليات رقابة وتسوية نزاعات فعّالة.
2. مواءمة التشريع العُماني مع المعايير الدولية
التوجه التشريعي في السلطنة اتسق مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية ومع مبادئ العمل اللائق، خاصة فيما يتعلق بمنع العمل الجبري، وتحديد ساعات العمل والراحة، وتوفير الرعاية الصحية، واحترام الكرامة الإنسانية للعامل المنزلي.
فاللائحة تمثل خطوة نحو تحسين صورة السلطنة في المؤشرات الدولية لحقوق العمال، دون الإخلال بخصوصية المجتمع العُماني.
3. إعادة ضبط العلاقة التعاقدية بين الطرفين
العلاقة بين العامل وصاحب العمل كانت في السابق أقرب إلى علاقة “تبعية شخصية” منها إلى علاقة “عقد عمل متوازن”.
الغاية التشريعية هنا هي تحويل هذه العلاقة إلى علاقة قانونية قائمة على العقد والحق والواجب، بحيث يتمتع كل طرف بضماناته القانونية ويخضع لذات المحاسبة النظامية.
ثالثًا: البناء القانوني للائحة الجديدة
جاءت اللائحة في هيكل متكامل يغطي الجوانب الجوهرية للعلاقة العمالية، ومن أبرز ملامحها:
1. نطاق التطبيق الواسع
لم تقتصر على العامل المنزلي التقليدي، بل شملت المهن المساندة كالسائق، المربية، الحارس، الممرض الخاص، الطباخ، مربي المواشي… إلخ.
وهذا توسّع تشريعي مقصود لضمان وحدة الحماية القانونية لهذه الفئات جميعًا.
2. عقد العمل الإلكتروني
أقرت اللائحة وجوب العقد الكتابي والإلكتروني المسجل لدى وزارة العمل، لتفادي النزاعات، وضمان الشفافية والتوثيق.
3. تحديد ساعات العمل والراحة
ولأول مرة، وضعت سقفًا زمنيًا واضحًا لساعات العمل اليومية (12 ساعة كحد أقصى)، مع راحة لا تقل عن 8 ساعات متواصلة، ويوم راحة أسبوعي مدفوع الأجر.
هذه الأحكام تنقل العلاقة من الاجتهاد الشخصي إلى الالتزام النظامي.
4. إجازات ومكافآت مالية
منحت العامل المنزلي حق الإجازة السنوية والمرضية ومكافأة نهاية الخدمة (نصف أجر شهري عن كل سنة خدمة بعد سنتين من العمل)، وهي مزايا لم تكن مقررة في النظام السابق.
5. حماية قانونية وإنسانية
أدخلت اللائحة مفاهيم جديدة مثل:
منع العمل الجبري والاعتداء والتحرش.
حظر احتجاز الوثائق الشخصية.
اشتراط اللياقة الصحية والسن الأدنى (21 سنة).
توفير التأمين الصحي الإلزامي.
6. حقوق صاحب العمل
لم تُغفل اللائحة الجانب المقابل، إذ خوّلت لصاحب العمل:
إنهاء العقد عند الغياب أو الإخلال أو الاعتداء.
مطالبة العامل بالتعويض عند الإضرار أو المخالفة.
إعفاؤه من مكافأة نهاية الخدمة إذا كانت مدة العمل أقل من سنتين.
رابعًا: فلسفة التوازن في الصياغة التشريعية
رغم أن اللائحة تبدو ظاهريًا أكثر ميلاً لحماية العامل، إلا أن القراءة القانونية المتعمقة تكشف عن توازن تشريعي واعٍ، يقوم على قاعدة:
“حماية الطرف الأضعف لا تعني الإضرار بالطرف الآخر، بل تنظيم العلاقة بما يضمن العدل للطرفين.”
فالوزارة سعت من خلال اللائحة إلى إعادة الثقة بين العامل وصاحب العمل، ومنع التجاوزات التي كانت تحدث سابقًا سواء من العامل أو المستقدم.
العلة التشريعية إذًا ليست “الانحياز”، وإنما تحقيق المساواة النظامية داخل علاقة يغلب عليها الطابع الاجتماعي والعاطفي أكثر من الطابع المؤسسي.
خامسًا: الأثر القانوني والاجتماعي المتوقع
يتوقع أن تفرز اللائحة آثارًا متعددة:
قانونيًا: توحيد المرجعية القانونية في تسوية المنازعات، وتقليل القضايا العمالية المنزلية.
اقتصاديًا: رفع كفاءة سوق الاستقدام وضبط العمالة السائبة من خلال العقود المسجلة.
اجتماعيًا: ترسيخ مفهوم الاحترام المتبادل والكرامة في بيئة العمل المنزلي.
لكن نجاح اللائحة مرهون بمدى وعي أصحاب العمل والعاملين بحقوقهم وواجباتهم، وبآلية تطبيقها الرقابية على أرض الواقع.
خاتمة
تمثل اللائحة التنظيمية الجديدة لعمال المنازل تحولًا تشريعيًا نوعيًا في القانون العُماني، إذ انتقلت بالعمل المنزلي من مرحلة الأعراف والعلاقات الشخصية إلى منظومة قانونية مكتوبة ومؤسسية.
وإذا كانت بعض الأصوات قد رأت فيها ميلًا للعامل، فإن النظرة القانونية الموضوعية تُظهر أن المشرّع العُماني أراد تحقيق عدالة متوازنة تحفظ الكرامة وتمنع التعسف من أي طرف.
إنها خطوة جريئة في طريق تطوير التشريعات الاجتماعية، تتطلب وعيًا وثقافة قانونية لدى جميع الأطراف لضمان التطبيق السليم وتحقيق الغاية التشريعية التي وُضعت من أجلها.