عقيل يوسف عيدان/ كاتب كويتي
كثيراً ما كنتُ مُقتنعاً – ومُتحمّساً – بأن مفهوم “قابلية النقل” هو أساسُ بقاء الكتب والثقافة الورقية. أعني هنا قابلية النقل المادية، وقدرة الكتاب على الانتقال من يدٍ إلى يد، ومن مكانٍ إلى آخر، دون الحاجة إلى وسيط تكنولوجي أو مصدر طاقة. هذه القابلية للنقل تمنح الكتاب الورقي مرونةً وقدرةً على البقاء تتجاوز ما يمكن أن تقدمه أي وسيلة رقمية.
من الأهمية بمكان بالنسبة لي أن تتداول الكتب بحريةٍ عبر الأجيال والحدود والحواجز. تخيّلوا كتاباً ينتقل من جيل إلى جيل داخل عائلة، يحمل معه ذكريات القراءة المشتركة، والتعليقات المكتوبة على الهوامش، ورائحة الزمن. أو تبصَّروا في كتابٍ يسافر عبر الحدود، يحمل معه أفكاراً وثقافات مختلفة، ويساهم في تبادل المعرفة والتفاهم بين الشعوب.
بعض الكتب تناقلتها أيدي عشرات الأشخاص لمئات السنين، وهو إرثٌ لا مثيل له في عالمنا الرقمي القائِم.
فكّروا في الكتب القديمة المحفوظة في المكتبات العتيقة، والتي تحمل آثار القرّاء الذين سبقونا، وتُشعرنا بالارتباط بتاريخ الفكر الإنساني.
من المدهش مدى سرعة أصحاب السلطة في تدمير وإتلاف الوثائق والنصوص الرقمية بضغطة زر. كما يمكن لحكومة قمعية أن تحجب موقعاً إلكترونياً، أو تحذف ملفاً، أو تراقب اتصالات الأفراد بسهولة. لكنهم لا يملكون الاستحواذ تماماً على قوة الحبر الجاف على صفحة مطبوعة. حتى أكثر الأنظمة استبداداً تجد صعوبة في السيطرة على النصوص الورقية (ولا تَعتَقِدوا أنها لم تحاول ذلك أبداً). تاريخياً، لجأت الأنظمة الشمولية إلى حرق الكتب ومُلاحَقة المؤلفين، لكن الكتاب الورقي دائماً ما كان يجد طريقه إلى النور، وينتشر بين الناس سراً، ليصبح رمزاً للمقاومة والصمود والتمرد.
من هنا، آمل حقاً أن يظلَّ الكتاب الورقي هجاءً صريحاً أو مصدراً للمتعة يُضحكنا على كل التهديدات الجديدة التي تُشكّلها التقنيات الرقمية. أتمنى أن نحافظ على حبّنا للكتاب الورقي، وأن نستمر في قراءته وتداوله، ليس فقط لأنه يحمل بين دفَّتيه المعرفة والمتعة، بل لأنه يُمثّل أيضاً رمزاً للحرية والإبداع والإرث الإنساني.