المحامي أحمد بن حسن بن إبراهيم البحراني
مقدمة:
لا تزال حوادث نسيان الأطفال داخل وسائل النقل المدرسية تتكرر على نحو يدعو للقلق، رغم وجود لائحة تنظيمية واضحة أُقرت بموجب القرار الوزاري رقم 58/2020، والمعدل بالقرار الوزاري رقم 190/2021. وقد بلغ الأسى ذروته في حادثة الطفلة شمة الجهوري، رحمها الله، التي أعادت فتح هذا الجرح القانوني والإنساني على حد سواء.
ما يلفت النظر هو أن تكرار هذه الحوادث يتم في ظل وجود تنظيم قانوني واضح، ومرجعية إدارية راسخة لوزارة التربية والتعليم، مما يدعو للتساؤل حول مواضع الخلل البنيوي داخل المنظومة، ومكان المسؤولية القانونية في ضوء هذه الوقائع.
أولًا: الإطار القانوني المنظم
تضمنت لائحة تنظيم وسائل النقل المدرسية عددًا من الأحكام الصريحة التي تهدف إلى تأمين سلامة الطلبة، من أبرزها ما ورد في المادة (10) بشأن التزامات قائد وسيلة النقل، ومنها:
• التأكد من عدم بقاء أي طالب داخل وسيلة النقل.
• إبقاء جزء من النوافذ مفتوحًا.
• عدم مغادرة المدرسة إلا بعد إذن إدارة المدرسة.
كما اشترطت اللائحة مؤهلات دقيقة لقائدي الحافلات، وفرضت على إدارة المدرسة والمديرية مهام متابعة يومية دقيقة، وحددت آليات المساءلة، فضلًا عن إمكانية تركيب نظام آلي لمراقبة حركة الطلبة.
وفي ذات السياق، فإن المرسوم السلطاني رقم 79/2020 حدَّد اختصاصات وزارة التربية والتعليم، والتي تشمل إدارة النظام التعليمي المدرسي، وضمان جودة الخدمات، ووضع وتنفيذ السياسات التربوية، وهو ما يعني أن الوزارة تتحمل الإشراف العام على تطبيق هذه اللوائح.
ثانيًا: التكييف القانوني للمسؤولية
إن وقوع ضرر متكرر نتيجة ذات الفعل، رغم وجود تنظيم قانوني مانع، لا يُعدّ مجرد خطأ فردي، بل يكشف عن خلل مؤسسي في الرقابة والإشراف.
ومن حيث المسؤولية المدنية، فإن وزارة التربية والتعليم، بصفتها الجهة صاحبة الشخصية الاعتبارية العامة، تُعد الطرف المدعى عليه الطبيعي في حال وقوع ضرر ناتج عن إهمال تابعيها، سواء أكان السائق أو الإدارة المدرسية أو موظفي المتابعة في المديرية، وذلك وفقًا لقواعد المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في القانون المدني.
ولا يمكن قانونًا أن تُرفع دعوى مدنية على جهات فرعية كإدارة المدرسة أو المديرية التعليمية، إذ أن جميعها تخضع تنظيميًا للوزارة، مما يستلزم اختصام الوزارة وحدها في نطاق المسؤولية المدنية.
أما إذا ثبت وجود فعل شخصي جسيم يتجاوز نطاق الوظيفة، فإن المسؤولية الجنائية تُدرس على حدة، ولا تعفي الوزارة من مساءلتها الإدارية والمدنية ما دام الضرر قد وقع في ظل علاقة تبعية وظيفية.
ثالثًا: الخلل البنيوي في التنفيذ
إن المتتبع للحوادث المدرسية يدرك أن مكمن الخلل ليس في غياب التشريع، بل في غياب أدوات الرقابة والمحاسبة:
1. غياب الرقابة اليومية الفعلية من إدارات المدارس والمديريات.
2. ضعف استخدام الوسائل التقنية (أنظمة الاستشعار، التتبع، البطاقات الذكية).
3. ضعف الإجراءات التأديبية، والاكتفاء بالحلول الإدارية الداخلية دون محاسبة معلنة.
4. غياب قاعدة بيانات وطنية لحوادث النقل المدرسي، وعدم وجود تقرير سنوي عن مؤشرات السلامة.
رابعًا: توصيات عملية
1. إلزام المدارس والمديريات بتطبيق نظام إلكتروني ذكي لمراقبة صعود ونزول الطلبة.
2. إدراج مادة “السلامة في النقل المدرسي” ضمن دليل السياسات التعليمية.
3. تفعيل المساءلة الإدارية تجاه المقصرين من مسؤولي المدارس والمديريات.
4. إصدار تقارير سنوية من الوزارة عن سلامة النقل المدرسي وإحصاءات الحوادث.
5. إشراك المجتمع ووسائل الإعلام في الرقابة الوقائية لا بعد وقوع الضرر.
خاتمة:
الوقاية لا تُبنى باللوائح وحدها، بل بتفعيلها. وأرواح الأطفال لا تتحمل وطأة التراخي الإداري أو البيروقراطي.
إن وزارة التربية والتعليم، بما لها من صلاحيات تنظيمية وتنفيذية، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعادة الاعتبار للائحة النقل المدرسي، لا كمستند إداري، بل كوثيقة حياة.