عادل بن رمضان مستهيل
adel.ramadan@outlook.com
في التاريخ العربي الحديث، يظل السادس من أكتوبر 1973 والسابع من أكتوبر 2023 علامتين فارقتين في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وإن اختلفت السياقات والنتائج. فبين نصر عسكري مصري أعاد للأمة العربية الثقة بقدرتها على التحدي، وبين حرب دامية في غزة كشفت عمق التحولات السياسية والإقليمية في المنطقة، يمكن قراءة نصف قرن من التغيرات في ميزان القوى، وطبيعة الصراع، وحدود المواقف العربية من إسرائيل.
ففي السادس من أكتوبر، عبرت القوات المصرية قناة السويس في عملية عسكرية اعتُبرت آنذاك معجزة استراتيجية، كسرت جدار الهزيمة النفسية الذي خلّفته نكسة 1967، وأثبتت أن إسرائيل ليست قوة لا تُقهر. الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت معركة لاستعادة الكرامة الوطنية العربية، واستعادة الثقة بالقرار السيادي المستقل. ورغم التحولات التي أعقبتها، من توقيع اتفاقية كامب ديفيد إلى تغيّر موازين التحالفات، فإنها بقيت رمزًا للمقاومة المنظمة والموقف العربي الموحد نسبيًا في تلك المرحلة.
و أما السابع من أكتوبر 2023، فقد شهد اندلاع حرب غزة الأخيرة عقب عملية “طوفان الأقصى”، التي دشنت فصلًا جديدًا من الصراع. هذه المرة لم تكن الحرب بين جيوش نظامية، بل بين مقاومة فلسطينية محاصرة وجيش إسرائيلي يمتلك تفوقًا عسكريًا هائلًا، مدعومًا بتحالفات إقليمية ودولية. الفارق هنا أن المواجهة لم تكن على حدود دول، بل داخل جغرافيا متشابكة من الاحتلال والحصار، حيث تحولت القضية الفلسطينية من مركز الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع مفتوح حول الهوية والعدالة وحقوق الإنسان.
و تُظهر المقارنة بين الحربين أن طبيعة الصراع تغيّرت جذريًا. ففي 1973 كانت القضية مركزية، وكان الخطاب العربي موحدًا ضد إسرائيل. أما اليوم، فقد تباينت المواقف بين دول عربية اختارت مسار التطبيع السياسي والاقتصادي مع تل أبيب، وأخرى ما زالت تتمسك بخيار الممانعة والمقاطعة.
و تحوّل الصراع من مواجهة عسكرية جماعية إلى صراع سياسي وميداني متقطع، تتنازعه روايات مختلفة: رواية سلام واقعي يسعى إلى الاندماج الإقليمي، ورواية مقاومة تعتبر أن التطبيع ليس إلا غطاءً لاستمرار الاحتلال.
غير أن بين السادس والسابع من أكتوبر ثمة دروس وعبر لا ينبغي إغفالها. أولها أن الشعوب، لا الأنظمة، تبقى الحارس الحقيقي للذاكرة الوطنية وللقضية الفلسطينية. وثانيها أن اختلال موازين القوى لا يلغي القدرة على المبادرة والمفاجأة، و كما أثبتت كلتا الحربين بطريقتها الخاصة.
و أما الدرس الثالث فهو أن الصراع مع إسرائيل لم يعد فقط صراع حدود، بل صراع سرديات حول العدالة والشرعية والحق في تقرير المصير.
و في النهاية، ما بين السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر نصف قرن من التحولات: من معركة لاسترداد الأرض إلى معركة للحفاظ على الوجود، ومن وحدة الموقف العربي إلى انقسام المواقف بين مطبّع ومناهض.
و لكن الثابت الوحيد هو أن القضية الفلسطينية تظل جوهر الصراع، وأن الذاكرة العربية، رغم كل التحولات، لا تزال ترى في المقاومة – بأشكالها المختلفة – تعبيرًا عن الكرامة والسيادة ورفض الإخضاع.