منى بنت سيف الفهدية
تُعَدّ كفالة اليتيم من القيم الإسلامية السامية، وهي رعاية اجتماعية وقانونية تربوية، تهدف إلى ضمان حقوق اليتيم المادية والمعنوية، وتأمين ظروف تنشئة تحفظ كرامته. وفي سلطنة عُمان، شأنها شأن دول عربية وإسلامية أخرى، تسعى التشريعات الوطنية لخدمة هذه الفئة، من خلال قوانين الطفل، والرعاية الاجتماعية، والرعاية البديلة.
وفي شأن الإطار التشريعي والتنظيمي في سلطنة عُمان تأتي أبرز التشريعات والسياسات التي تتعلق برعاية الأيتام ومَن في حكمهم، مع التركيز على الكفالة، ففي قانون الطفل صدر المرسوم السلطاني رقم 22/2014 في سلطنة عُمان والذي يُعرف بـ «قانون الطفل». هذا القانون يُعنى بحماية حقوق الطفل بكافة جوانبها، ومن ضمنها توفير الحماية الاجتماعية البديلة حينما يُحرم الطفل من بيئته الأسرية. كما انضمت سلطنة عُمان إلى اتفاقية حقوق الطفل بموجب المرسوم السلطاني رقم 54/1996م، ما يعني التزامًا دوليًا نحو حماية حقوق الأطفال، بما في ذلك الأيتام.
وفي ما يتعلق بسياسات الرعاية البديلة والأسر البديلة، تُشرف وزارة التنمية الاجتماعية على الرعاية البديلة، ومنها الأسر الحاضنة (foster families) التي توفر بديلاً عن السكن في المؤسسات. وقد تم إطلاق دليل وطني للرعاية في الأسر الحاضنة لتوضيح المعايير والإجراءات، كما توفر الدولة الرعاية الاجتماعية للأطفال اليتامى عبر التسجيل في مراكز رعاية الطفل، من خلال الجهات المختصة (وزارة التنمية الاجتماعية، قسم شؤون الطفل، النيابة العامة، شرطة عُمان السلطانية) لتوثيق الحالة والتدخل عند الحاجة.
أما فيما يتعلق بمبدأ الكفالة في التشريع الإسلامي والعرف الاجتماعي فإن التشريعات العُمانية تأخذ في الاعتبار المبادئ الإسلامية التي تشجّع كفالة الأيتام والرعاية بمَن في حكمهم والاهتمام بهم، وفرض التزام الدولة بتوفير الحماية لهم. كما أن المعنى التشريعي لكفالة اليتيم هنا قد لا يكون التبني (لأن التبني بمعنى تغيير النسب غير معمول به قانونيًا في معظم الدول الإسلامية إن لم يكن كلها) ولكن كفالة بمعنى العناية والرعاية والتأمين على العيش الكريم دون المساس بالنسب الشرعي. هذا المفهوم مستمد من الشريعة ومن القوانين المرتبطة بالطفل والرعاية البديلة.
وفي ما يتعلق بالثغرات والتحديات في التشريع والممارسة في هذا السياق، وعلى الرغم من وجودها، تظهر هناك بعض الثغرات والتحديات التي ظهرت في الواقع، وتتمثل في غياب تشريع خاص للكفالة بصفة منفصلة عن قانون الطفل والرعاية البديلة، بحيث لا يوجد نص قانوني موحَّد يحدد بالتفصيل حقوق الكفيل، واجباته، متى تنتهي الكفالة، وكيف تُدار الكفالة من الناحية المالية والاجتماعية. مع محدودية التوعية والإجراءات، فالكثير من الأسر أو الكفّالين المحتملين لا يعرفون الخطوات القانونية المطلوبة، الجهات المسؤولة، شروط الكفالة، والمتطلبات القضائية أو الإدارية. والتداخل بين الكفالات الحكومية والخيرية، فكثير من الكفالات تُدار من خلال منظمات خيرية، وقد تفتقر للرقابة القانونية الصارمة أو التوضيح الكامل لمسؤوليات كل طرف، مع وجود حالات استبعاد لبعض الأيتام من الكفالة إذا كانوا يستفيدون من مساعدات أخرى، ما قد يُحرمهم من الكفالة لمجرد أنهم يتلقّون دعمًا من جهة حكومية. وفي ما يخص متطلبات التوثيق والمتابعة يحتاج الطفل المكفول إلى متابعة اجتماعية وصحية وتعليمية، وقد تكون الموارد أو الإمكانيات في بعض المناطق أقل، مما يؤثر على جودة الكفالة.
أما فيما يخص المقارنة مع بعض الممارسات الدولية، فالدول التي تطبق نظام الأسر البديلة لديها قوانين مفصَّلة تحدد حقوق الطفل والضمان الاجتماعي للتنشئة في أسرة بديلة، مع متابعة دورية من جهات مختصة. كما أن بعض الدول تُقنّن الكفالة القانونية بحيث تكون الكفالة مسجَّلة رسميًا، وتتضمن آليات للنزاعات أو الانتهاكات، وتحديد مدة الكفالة، وشروط إنهائها، وهناك مقترحات للتطوير التشريعي والممارسي في سلطنة عُمان.
ولضمان أن تكون كفالة اليتيم أكثر فاعلية، وذات عدالة في سياق تطبيق عملي، نورد هنا بعض المقترحات، وتتمثل في سنّ قانون خاص أو تعديل قانون الطفل ليحدد الكفالة كمفهوم قانوني مستقل، مع تعريف واضح للكفيل، واجباته، حقوقه، متى وكيف تنتهي الكفالة، وآليات الرقابة، مع إيجاد إجراءات واضحة وموحدة لكيفية التقديم للكفالة، الشروط المطلوبة، الضمانات، المستندات، والمواعيد الزمنية في كل محافظة، ووضع متابعة دورية من جهة مختصة (إدارة اجتماعية، وزارة التنمية الاجتماعية) للحالة الصحية والتعليمية والنفسية للطفل المكفول، لضمان أنه يُعامل معاملة حسنة ويتمتع بحقوقه كاملة، مع إيجاد التعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية مع ضبط رقابي وتوثيق رسمي للعقود أو الاتفاقات التي تتم بين الكفيل والمنظمة، وإبراز دور التوعية المجتمعية بالكفالة، بما فيها شرح حقوق الكافل، حقوق اليتيم، فوائد الكفالة، الممارسات المقبولة وغير المقبولة، لرفع مستوى الشفافية والمساءلة، ووضع حماية قانونية للأيتام في الحالات الخاصة مثل الأيتام مجهولي الأب أو الأم، أو الأيتام من أسر عجزت عن الكفالة، مع ضمان بدائل رعاية مناسبة.
ونؤكد أن كفالة اليتيم في سلطنة عُمان موجودة ضمن التشريعات، خاصة قانون الطفل والرعاية البديلة، وهناك اهتمام حكومي مجمل بهذا الجانب. لكن هناك حاجة ملحّة للتنظيم القانوني المفصَّل الذي يضمن حقوق اليتيم والكفيل معًا، ولتعزيز الآليات الرقابية والمتابعة، وللتأكد من أن كل يتيم يجد الكفالة الملائمة، لا سيّما في المناطق البعيدة أو الأسر التي تحتاج دعمًا أكبر.
المراجع
Al Balushi, S. S. et al., “The Emergence of Child Protection Capacities in Oman”, 2021. يناقش تطبيق قانون الطفل، مكوناته، وتحسين الخدمات بعد صدوره.
“Child Protection System in Oman: A Public Health Perspective” — أوردت فيه كيف حدد القانون الأدوار، خصوصًا اللجنة المركزية والمحلية لحماية الطفل، والإبلاغ عن العنف أو الانتهاكات.
“Strengthening foster care for children in Oman” — مقالة صحفية / تقرير حكومي يوضح حوكمة الرعاية البديلة، والمعايير والتنظيمات الخاصة بالأسر الحاضنة.
