عصماء بنت محمد الكحالية
نقف اليوم أمام جيل مختلف كليًا عن الأجيال السابقة، جيل السوشيال ميديا وطفرة الإنترنت، جيل وُلد في عالم مفتوح على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا. هذا الجيل، بوعيه واتساع مداركه، قادر على أن يكون قوة حقيقية لبناء الوطن، إذا ما استطعنا أن نفهمه ونتعامل معه وفق عقليته واهتماماته، لا وفق الطرق التقليدية التي عفا عليها الزمن.
لقد قضى أبناؤنا اثني عشر عامًا في مقاعد الدراسة، ما بين نجاح ورسوب ودور ثانٍ، ومشاريع مرهقة للأهالي، ومصروفات طائلة. لكن المحصلة النهائية في كثير من الأحيان لا تتجاوز شهادة لا تضمن وظيفة، ولا تؤهل الشاب أو الشابة لمواجهة سوق العمل الحديث. إننا أمام معادلة خاسرة: سنوات طويلة من التعليم بلا مخرجات حقيقية، وبلا جدوى ملموسة في مواجهة البطالة.
من هنا، يبرز السؤال: هل المواد الدراسية التي تُدرّس اليوم لا تزال صالحة لعصرنا؟ الواقع يقول إن كثيرًا منها لم يعد يخدم الجيل الجديد، ولا يتناسب مع طموحاته ولا مع التحديات الاقتصادية الراهنة. الجيل القادم يحتاج إلى تعليم يكتشف مواهبه، ويُنمّي هواياته، ويُعزز من مهاراته العملية، بدلًا من حشو المعلومات التي تُنسى بمجرد انتهاء الامتحان.
الاستثمار الحقيقي ليس في إنشاء مبانٍ مدرسية أو طباعة كتب جديدة، بل في استثمار العقل البشري، في اكتشاف القدرات الفردية وصقلها. فإذا وُجِّه الطالب منذ سنواته الأولى نحو ما يتقنه ويُحب، فسوف ينشأ على شغف التعلم والإبداع، وسيوفر فرص عمل لنفسه ولغيره، بدلًا من أن يقف في طابور طويل ينتظر وظيفة حكومية قد لا تأتي.
إننا بحاجة ماسّة إلى ثورة تعليمية حقيقية ، ثورة تقوم على إعادة صياغة المناهج وطرق التدريس بما يتناسب مع روح العصر، ووفق رؤية وطنية تُؤمن بأن الجيل القادم هو الثروة الحقيقية. وإذا أحسنا دعمه وتشجيعه، فسوف يبني الوطن بإبداعه، ويُساهم في تقليص البطالة، ويحوّل التحديات إلى فرص.
ختامًا، إن التعليم ليس مجرد مرحلة في حياة الإنسان، بل هو صناعة مستقبل وطن. وإذا أردنا مستقبلًا مزدهرًا لعُمان، فلا بد أن نُغيّر طريقة التفكير، ونستثمر عقول شبابنا بما يتناسب مع زمنهم، لا بزمن مضى.