د. بدر بن أحمد البلوشي
السفر ليس انتقالا بالجسد فحسب، بل هو ارتحال بالروح والعقل معا، ينقلك من ضيق العادة إلى فسحة الاكتشاف.. إنه تجربة تعيد تشكيل وعي الإنسان، وتفتح له أبوابا لم يكن ليطرقها لو بقي قابعا في مكانه.
في رحلات السفر تتبدد الرتابة، وتنكشف أمامك لوحات لم ترها من قبل، فتشعر أن الحياة أوسع من أن تختصر في جغرافيا ضيقة.. كل مدينة تزورها تمنحك معنى جديدا، وكل معلم تراه يترك بصمة لا تمحى في ذاكرتك.
هو مدرسة تعلم بلا كتب، وميدان يثري الإنسان بلا محاضرات.. ففيه يتعرف المرء على شعوب وثقافات، ويتأمل اختلاف العادات واللغات، ليدرك أن التنوع البشري زينة لا نقمة، وغنى لا فقر.
والسفر يجدد الروح قبل الجسد؛ يعيدها مشرقة بعد أن أثقلتها الأيام، كنسيم عليل يزيل غبار التعب، وكقطرة ندى تحيي القلب العطشان.. فتعود منه بروح شابة، حتى وإن تقدم بك العمر.
كما يمنحك السفر مرونة في التعامل مع المواقف والأشخاص؛ فالطرقات تعلم الصبر، والمطارات تلقنك معنى الانتظار، واللقاءات العابرة تغرس فيك التواضع، لتغدو أكثر وعيا ونضجا.
وفي السفر تكتشف أن العالم ليس كما صورته لك الشاشات أو الأخبار، بل أوسع وأجمل وأقرب إلى القلب مما كنت تظن.. هو فرصة لتصحيح الصور النمطية، وبناء جسور إنسانية مع الآخر.
ثم إن السفر يذكرك دائما بأنك لست شجرة مغروسة في مكانها، بل كائن حر خلق للحركة والتجدد.. كل خطوة نحو أرض جديدة هي خطوة نحو ذاتك العميقة، ونحو فهم أدق للعالم.
فلا تركن إلى الجمود ولا تستسلم لضيق المكان؛ اجعل السفر جزءا من حياتك، فهو ليس ترفا بل ضرورة لتجديد الروح وتوسيع المدارك، ولتعلم أن الحياة أرحب بكثير مما تراه من نافذتك.
من لم يسافر، لم يقرأ إلا صفحة واحدة من كتاب الحياة..