عادل بن رمضان مستهيل
كاتب صحفي وإعلامي عُماني
adel.ramadan@outlook.com
في الخامس والتسعين من عمر المجد السعودي، تقف سلطنة عُمان لتشارك المملكة العربية السعودية فرحة يومها الوطني، يوم تجديد العهد والولاء، يوم يستحضر فيه التاريخ مسيرة توحيد كيان عظيم على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – الذي جمع القلوب قبل الأرض، وأرسى دولةً راسخة الأركان، باتت اليوم واحدة من أبرز القوى الإقليمية والدولية.
إن العلاقات العُمانية – السعودية لم تكن يومًا مجرد روابط جوار، بل هي تاريخ ممتد من الأخوة الصادقة والمصير الواحد. فمنذ بدايات النهضة العُمانية الحديثة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – والمملكة بقيادة ملوكها الأبرار، شهدت مسيرة البلدين تقاربًا متجذرًا، توطد عبر عقود من التفاهم والتعاون والزيارات المتبادلة.
وقد شكّل اللقاء التاريخي بين السلطان قابوس والملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمهما الله – في سبعينيات القرن الماضي محطة مهمة في رسم ملامح علاقة استراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. ثم توالت اللقاءات على مختلف المستويات، لترسم طريقًا ثابتًا في التنسيق والتعاون. وفي العقود التالية، كان حضور المملكة بارزًا في كل ما يخص الشأن الخليجي والعربي، وكانت السلطنة إلى جوارها، تتقاسم معها هموم المنطقة وتطلعاتها نحو الاستقرار والتنمية.
وعلى مدى نصف قرن، تميزت العلاقة بين مسقط والرياض بالثبات والرؤية الواضحة. فمن المواقف البارزة، وقوف البلدين صفًا واحدًا في دعم مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981، حيث عملا مع بقية الدول الأعضاء على جعل المجلس ركيزة للأمن والتكامل الاقتصادي والسياسي. كما وقف البلدان موقفًا مشتركًا في القضايا العربية المصيرية، سواء في دعم القضية الفلسطينية أو السعي إلى استقرار اليمن، أو في الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة التطرف والإرهاب.
وفي السنوات الأخيرة، تعززت العلاقات لتشهد قفزة نوعية، تجلّت بزيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله – إلى المملكة في يوليو 2021، وهي أول زيارة رسمية له بعد توليه مقاليد الحكم، حيث لقي حفاوة بالغة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان. وقد فتحت تلك الزيارة آفاقًا أوسع للتعاون، خصوصًا في مجالات الاقتصاد والاستثمار والطاقة. وتلاها زيارة ولي العهد السعودي إلى سلطنة عُمان في ديسمبر من العام نفسه، والتي وُصفت بمحطة تاريخية، حيث شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أرست قواعد شراكة اقتصادية متينة.
ولعل من أبرز المنجزات التي تجسد عمق هذه العلاقة، افتتاح منفذ “الربع الخالي” البري بين البلدين في ديسمبر 2021، الذي اختصر المسافات وفتح آفاقًا جديدة للتجارة وحركة الأفراد، مؤكداً أن التعاون ليس مجرد شعارات بل واقع ملموس ينعكس على حياة المواطنين في كلا البلدين.
لقد كان التكامل الاقتصادي حاضرًا في كل محطة، حيث تسعى الشركات السعودية والعُمانية إلى بناء استثمارات مشتركة، مستفيدة من الفرص التي تتيحها رؤية المملكة 2030 ورؤية عُمان 2040. رؤيتان طموحتان تلتقيان عند هدف واحد: تعزيز مكانة المواطن، وتحقيق التنمية المستدامة، وبناء اقتصاد متنوع قادر على مواجهة التحديات.
وفي الشأن الدولي، أثبتت المملكة والسلطنة توافقًا في الرؤى، قائمًا على مبادئ ثابتة؛ أهمها احترام السيادة، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، والسعي لحل النزاعات عبر الحوار والدبلوماسية. وقد كان هذا الموقف المشترك حاضرًا في ملفات إقليمية معقدة، جعل من البلدين صوتًا للحكمة والاتزان في عالم يموج بالتحديات.
اليوم، تحتفل المملكة بيومها الوطني الخامس والتسعين، وهي تعيش مرحلة استثنائية من التحول، يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويترجمها ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان من خلال مشاريع كبرى غيرت وجه الاقتصاد السعودي، ووضعت المملكة في قلب العالم المتقدم. وفي المقابل، تمضي سلطنة عُمان بخطى واثقة في تحقيق رؤيتها المستقبلية 2040، بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق، ما يجعل المسيرة في البلدين متوازية، ومتكاملة، ومبشرة بغد أكثر إشراقًا.
إن التهنئة التي يرفعها العمانيون اليوم إلى إخوانهم في المملكة، ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي تعبير عن عمق روابط الأخوة، وعن قناعة راسخة بأن ما يجمع البلدين أكبر من حدود وجغرافيا، بل هو تاريخ ومصير ومستقبل واحد. فكل عام والمملكة العربية السعودية في عز ومجد وازدهار، وكل عام وهي تمضي إلى قمم جديدة من الريادة، ومعها تمضي عُمان في مسيرة تكامل ووحدة راسخة، عنوانها المحبة والوفاء، ورمزها الاستقرار والنماء.