غزلان بنت علي البلوشية
في حياتنا العملية نصادف إدارات غريبة في سلوكها، وكأنها لا تبحث عن التطوير بقدر ما تسعى إلى القضاء على كل من يملك فكرًا أو كفاءة. الإدارات التي تُقصي العقول اللامعة وتبقي من لا يملكون المعرفة أو الخبرة، تشبه الفيروس الذي يضعف الجسد من الداخل حتى ينهار. هذه الإدارات لا تخلق بيئة عمل صحية، بل تزرع الخوف، وتُشيع ثقافة الولاء الأعمى، وتبني جدرانًا بين المؤسسة وبين رسالتها الحقيقية. النتيجة واضحة: مؤسسة بلا روح، موظفون بلا طموح، ومجتمع يفقد ثقته في منظومة كان ينتظر منها الكثير.
ملامح هذه الإدارات تظهر بوضوح لكل من عاش التجربة أو لمسها عن قرب؛ فهي لا ترى في الموظف الكفء طاقة تُبنى عليها المؤسسة، بل خطرًا يهدد مقاعدها. النجاح عندها لا يُقاس بما تحققه من إنجازات، بل بما تقدمه من ولاء شخصي ورضوخ لأوامرها. تبقي على الضعفاء لأنهم أداة طيّعة، وتقصي أصحاب العقول لأنهم مصدر إزعاج. فتتحول المؤسسة إلى بيئة طاردة للإبداع، خانقة للمبادرات، قاتلة لكل بريق يضيء المستقبل. هذه ليست أخطاء عابرة أو هفوات إدارية، بل هي سياسات مقصودة تضمن بقاء الكرسي ولو على حساب انكسار المؤسسة وضياع رسالتها.
التخلص من هذه الإدارة الفيروسية ليس خيارًا ثانويًا بل ضرورة حتمية لحماية المؤسسة من الانهيار. ويبدأ الحل من خلق وعي داخلي بأن المؤسسة للجميع، وأن قوتها في تمكين الأكفاء لا في إقصائهم. ثم يأتي دور المساءلة الشفافة عبر أنظمة تقييم عادلة تقيس الإنجاز الحقيقي لا الولاء الشخصي. كما أن تحالف الكفاءات ضرورة لتكوين قوة متماسكة تُقاوم التهميش، بدلًا من أن يتشتت كل فرد وحده. ويبقى إثبات الذات بالإنجاز أقوى سلاح لمواجهة أي محاولات إقصاء، فالنجاح العملي يفرض نفسه مهما حاولوا إخفاءه. وأخيرًا، لا بد أن يلعب المجتمع دور الرقابة، لأن كشف الخلل بصوت واضح يجعل هذه الإدارات مجبرة إما على الإصلاح أو على الرحيل. هذه الخطوات ليست مجرد شعارات، بل استراتيجيات مطلوبة وواقعية، تُعيد للمؤسسة عافيتها وتمنح موظفيها بيئة عمل مستقرة وصحية تُنهي تمامًا الطبيعة الفيروسية التي تُنهك النفوس وتخنق الإبداع.
وفي الختام، الإدارة التي تحارب الكفاءات ليست مجرد خلل داخلي في مؤسسة ما، بل خطر ممتد يهدد المجتمع بأكمله. فحين تُقصى العقول وتُطفأ الطاقات، تفقد المؤسسة قدرتها على الإبداع، وتتحول تدريجيًا إلى هيكل هش لا يقوى على المنافسة ولا على الاستمرار.
من هنا، يصبح الوعي الجماعي هو خط الدفاع الأول؛ أن نقول بجرأة “لا” للفساد الإداري، وأن نرفع صوتنا “نعم” للكفاءة والإبداع. فالإصلاح لا يبدأ بخطط كبرى فحسب، بل يبدأ بموقف، بقرار، وبقدرة على عدم الصمت أمام الخطأ. المؤسسات لا تُبنى على الضعفاء ولا على الموالين بلا إنجاز، بل تنهض فقط حين تُعطي مساحتها للأقوياء بالعلم، المبدعين بالفكر، المخلصين بالعمل. وهذه ليست مجرد نصيحة نظرية، بل قاعدة عملية لكل من يريد أن يرى مؤسسة مستقرة، بيئة عمل صحية، ومجتمعًا قادرًا على النهوض.