آمنة بنت محمد البلوشية/ كاتبة وأديبة عُمانية
ayaamq222@gmail.com
صور ليست مجرد ولاية، إنها ذاكرة البحر ومرآة التاريخ، بوابة عُمان التي منها انطلقت الأشرعة البيضاء تلامس الأفق، تحمل الخير إلى أصقاع الأرض، وتعود محملة بما جلبته الرياح من ثمار الحضارات. في مرافئها كتب العمانيون فصولًا من المجد البحري، وفي حاراتها تناثرت الحكايات، وعلى شواطئها تجسدت علاقة الإنسان بالبحر علاقة عشق وأبدية.
لكن الزائر لصـور اليوم، وهو يسير بين أحيائها القديمة أو يتأمل ميناءها العريق، يتساءل: لماذا توقفت عجلة التنمية عند محطات محدودة؟ ولماذا بقيت بعض المشاريع رهينة الواجهة فقط، بينما العمق بكل ما يحمله من ذاكرة وجمال ظل على حاله؟ لقد كان تطوير سوق صور القديم خطوة أولى، لكن السوق في داخله ما زال كما كان، محلاته القديمة تنتظر يدًا تمتد إليها، وبيوته العتيقة ما زالت صامدة، تبحث عن من يعيد إليها الحياة. وكان الأجدر أن تكون التنمية شاملة، لا أن يصدق المثل الشعبي القائل: “من برا هالله هالله ومن جوا يعلم الله”.
وعند الميناء البحري، حيث تصافح الأرض البحر منذ قرون، تغيب المطاعم الراقية، وتغيب مبادرات رواد الأعمال، وتغيب محلات الحرفيين التي يمكن أن تجعل المكان متحفًا حيًّا يعرض ذاكرة صور البحرية. أما السائح، فيبحث عن تذكار يعيده إلى صور، فلا يجد إلا البحر وحده شاهدًا صامتًا على ما كان.
وصور ليست بحرًا فقط، فهي تحتضن من الروائع الطبيعية ما يجعلها وجهة لا مثيل لها. هناك محمية السلاحف العالمية في رأس الجنز، حيث تبدأ الحكاية عند فجر كل يوم جديد، حين تخرج السلاحف من عمق البحر لتضع بيضها على رمال ناعمة، في مشهد يعجز الوصف عن احتوائه. وهذه المحمية لا يكفي أن تُعرف، بل يجب أن تُستثمر سياحيًا وثقافيًا بما يليق بمفرداتها . وهناك شاطئ الشياع الممتد كعقد من اللؤلؤ، وشاطئ نعمة بنقائه، وحارة القاشع بعبقها التاريخي، وقرية نِسمة الساحلية بما تحمله من طابع تراثي أصيل، إلى جانب الأشخرة والدفة والخبة. كلها مواقع تنتظر التهيئة والتطوير، تنتظر أن تُلبس ثوبها الجديد دون أن تفقد أصالتها القديمة.
وليس بعيدًا عنا ما قامت به إحدى الدول الخليجية حين حولت مساحة عادية إلى محمية متكاملة، جمعت فيها بعض الحيوانات الأليفة من قطط وأرانب وماعز وخيول، ثم أحاطتها بمطاعم ومقاهٍ عصرية يديرها شباب، وأضافت إليها لمسات جعلتها وجهة مدهشة للعائلات، حتى وإن لم تكن محمية طبيعية أصيلة. لقد صنعت من البساطة دهشة، ومن العادي استثناءً، ومن الفراغ وجهة مكتظة بالزوار. فإذا كان ذلك ممكنًا هناك، فكيف بصور وهي التي تحتضن مقومات بحرية وطبيعية وثقافية لا يملكها سواها؟ أليست أحق أن تتحول إلى وجهة عالمية مكتملة الأركان؟
إن مشروع المتحف البحري الذي تعمل الحكومة على تنفيذه سيكون بلا شك إضافة مهمة، لكنه وحده لا يكفي. فلا بد أن تتكامل المشاريع لتعيد صياغة ملامح صور الحديثة، وأن تكون التنمية شاملة لا جزئية، تصل إلى السوق العتيق كما تصل إلى الميناء والشاطئ والحارة القديمة.
صور ليست بحاجة إلى مقارنات مع دول أخرى، فهي أعرق من أن تُقارن. ما تحتاجه هو أن تتحول قيمتها التاريخية والجغرافية إلى مشاريع ذات جودة عالية، تجعلها وجهة بحرية وثقافية وسياحية متميزة، يستشعر الزائر فيها نبض الماضي ويعايش فيها حاضرًا نابضًا بالحياة.
وهنا، فإن الدعوة موجهة إلى كل من يملك القرار والإمكان: المستثمرون، الشيوخ، التجار، مكاتب الولاة والمحافظين، أن يتكاتفوا من أجل أن تنهض صور من جديد، لتستعيد بريقها وتبقى منارة بحرية واقتصادية وثقافية كما كانت عبر العصور.