د. حمد بن محمد الغيلاني
في ظل التطورات الأخيرة، الكثيرة والمتلاحقة، ولعل أهمها، العدوان الصهيوني على لبنان وإيران وسوريا، وما يحدث من عدوان همجي متوحش، على غزة وفلسطين، تتعاون فيه مع الصهاينة القوى الغربية، الأوروبية والأمريكية، مع الصمت والتخاذل، من الجانب العربي والإسلامي، ومع كل ذلك فإن الصراعات في وسائل التواصل الاجتماعي، المفتعلة، حول الآراء المذهبية، تزيد من حدة الفرقة والانقسام والضعف بين المسلمين، ولعل كل ذلك يدخل في إطار تشتيت الفكر الإنساني والمسلم، عن قضايا أمته الرئيسة، وادخاله في دوامة من الصراعات الجانية المفرقة للشمل.
إن الصراع الفكري بين المدارس الفقهية الإسلامية، في جوانب عديدة، ما زال مستمراً منذ أربعة عشر قرناً، ولا تخلوا أي مدرسة فقهية إسلامية، من فتاوي التكفير والإقصاء والاستعلاء، قد يكون كثيرا من تلك الأفكار مرتبطة بصراع سياسي، أكثر منه صراع علمي فكري فقهي، كما أن كل مدرسة كذلك، لا تخلوا من العلماء الحكماء المعتدلين والمنصفين، الذين يقدمون فكرهم وفقههم دون غلو أو تشدد، كما أنهم ينظرون للآخر، المختلف عنهم فكرا وفقها، بأنه أخ في الدين، وسند ضد أعداء الأمة المتربصين.
خلال أكثر من أربعة عشر قرناَ من الصراع الفكري بين المدارس الفقهية الإسلامية، لم يقدم أي مشروع إسلامي متكامل، يجمع الفكر الإسلامي المستنير والمحترم للآخر، في كل المدارس الفقهية الإسلامية الرئيسة، بصورة واضحة وجليه، يعتمد على أسس الدين الحنيف ومبادئه الرشيدة، في أهمية وحدة المسلمين، وترابطهم وتعاضدهم، وفي آراء علماء الامة المعتدلين والمنصفين.
لذا فإن صياغة مشروع متكامل لإعادة كتابة منهج مشترك بين مدارس الفكر والفقه الاسلامي، لتعريف المجتمعات الإسلامية عامة، بالمبادئ الرئيسة المعتدلة لكل مدرسة فقهيه، من خلال إنشاء مركز لوحدة (الفكر الإسلامي)، يضم نخبة من العلماء والباحثين من جميع المدراس الفقهية المعروفة، يهدف إلى تأهيل الباحثين والعلماء في مجال الفكر الإسلامي المستنير، وطباعة الكتب الجامعة لشتات الأمة، والمعرفة بالمنهج الإسلامي المعتدل والمتقبل لاختلاف الآخر، كما يشمل عقد اللقاءات والحوارات الفكرية البناءة، قد يسهم من تخفيف حدة التوتر المصطنع الحالي، ويفتح آفاق أكبر لتأليف القلوب، ونبذ الخلاف، وجمع شمل الأمة، الذي تفرق في وقت أصبحت فيه، في أمس الحاجة للوحدة والتعاضد والاخاء.