أحمد بن ناصر الراشدي
قرأت للعالم الامريكي صامويل هنتنغتون أطروحة جميلة متعلقة بصراع الحضارات، وكتب هذه الأطروحه عام ١٩٩٣، وهذه الأطروحة لاقت جدلاً واسعاً في النظريات المعاصرة، كون أن هذه النظرية اعتمدت على أن الصراعات القادمة بين الحضارات ستكون صراعات ثقافية من الدرجة الأولى.
وسوف تنحصر هذه الصراعات بين ثلاث حضارات رئيسة الحضارة الغربية المتسيدة للعالم حالياً والتي تقودها أمريكا من جهة والحضارة الصينية والحضارة الاسلامية من جهة اخرى.
ويبدو أن هذه النبوءة تتحقق جزئيًا في وقتنا الحالي مع تصاعد التوتر بين الحضارة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وصعود الصين كمنافس حضاري واقتصادي، في ظل غياب واضح للحضارة الإسلامية عن هذا المشهد.
فالولايات المتحدة الأميركية لا تزال تتسيد العالم، وتلعب دور الآمر الناهي ودور المصلح احياناً ودور المفسد باطنياً احياناً كثيرة.
وتبني مواقفها وفق مصالحها المختلفه وكذلك تمارس نفوذًا عالميًا عبر أدوات القوة الناعمة كالثقافة، الإعلام، التعليم وغيرها.
في المقابل تقدم الصين نموذجًا حضاريًا مختلفًا، قائمًا على المركزية السياسية، والتنمية الاقتصادية، والانفتاح المشروط. ونموذج عليه مشروع “الحزام والطريق” الذي يعكس طموحًا لإعادة تشكيل النظام العالمي من منظور آسيوي، لهذا نجد ان الثقافة الكونفوشية تعود مجدداً للواجهة، وتُستخدم نفس الادوات التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز نفوذها في دول العالم.
وهذا ما لمسناه منذ فترة تولي ترامب مقاليد حكم الولايات المتحدة الأمريكية والصراع الاقتصادي بينه وبين الصين.
في هذا الجانب صدقت بشكل او بآخر نبوءة صامويل بأن الحضارة الامريكية ستسقط على يد الحضارتين الصينية والاسلامية.
نجد ان هذه النظرية اخذت ملامح التحقق مع غياب الحضارة الاسلامية عن المشهد، لماذا!!!
رغم الإرث الحضاري الإسلامي الغني، فإن الحضور الإسلامي في المشهد العالمي يعاني من عدة أزمات أبرزها وبشكل مختصر جداً ضعف التعليم، حيث أدى هذا الضعف إلى تراجع الوعي الحضاري.
كذلك غياب القيادات الفكرية المجددة، حبث تسبب في جمود فكري مستدام وفي مسيرتي التعليمية خلال السنوات القليلة الماضية لم أجد اي عالم عربي بشكل خاص قام باستحداث نظرية اجتماعية تدرس الواقع، فقط اكتفى العرب بكتابة المقالات.
كذلك وجود نزعات قبلية ومذهبية ساعدت على تزايد الفتن وتفريق الشعوب الاسلامية وتشتت مواقفهم، أو قد تكون هناك مصالح منفردة لتتمكن النخب السياسية في بعض الدول العربية والمحافظة على بقاءها وديمومتها وغزة لدينا أقرب مثال.
والسؤال الاهم هل سقطت الحضارة الإسلامية أم انها توقفت عن العطاء بفعل تعطل ضوابطها الاساسية؟
وهل يمكن للحضارة الإسلامية أن تستعيد دورها التاريخي في خضم هذا الصراع الغربي الصيني وتدفق الثقافات حول العالم.
لذلك لابد لنا من إعادة فهم المنهج الإسلامي، وتجديد الفكر فيه، وتوحيد الجهود نحو مشروع حضاري تاريخي واحد يعود للأمة الاسلامية مكانتها وهيبتها.