د. أمينة بنت راشد الراسبية*
لا يخفى على أحدٍ وجودُ الفيروسات وانتشارُها على نطاقٍ واسع، وقدرتها على إصابتنا في العمق متى ما وجدت سبيلاً إلى ذواتنا لتسكن فيها وتقبع في مكامنها. الفيروسات التي أقصدها هنا هي فيروسات بشرية؛ إن سمحتَ لها بالتسلّل إلى الذات أردتك قتيلاً.
هذه الفيروسات موجودة في محيطنا عامةً، سواء في المحيط الدراسي أو محيط العمل أو محيط الحياة العامة، وقد تتسلل بالتالي إلى محيط الحياة الخاصة… وهنا يكون الداء قد استفشى واستفحل.
اخترتُ هذا العنوان لخطورة ما يغشى النفسَ البشرية جرّاء الإصابة بهذه الفيروسات؛ فهي لا تُنتِج إلا النهاية والدمار. هناك نفوسٌ حاقدة في هذه الحياة هدفها إحباطُ الآخرين وإلحاقُ الهزيمة بالناجحين. هذه النفوس تتبنّى فيروس الإحباط وتُلحقه بفيروس الاستسلام الذي ينجح في تحديد وجهة إصابته، لأنه وجد من يتقبّله ولم يقاومه.
كثيراً ما نصادف — في أماكن متفرقة وأزمنة شتّى — شخصاً معطاءً طَموحاً يثلج صدورنا ويمنحنا دافعاً إيجابياً لنكون مثله، وقد نطمح إلى تجاوزه بالمنافسة الشريفة، ولا ضير في ذلك. وللأسف، فجأةً يتلبّد الجوّ النفسيّ عند هذا المعطاء؛ لماذا؟ الإجابة بسيطة: لأنه استسلم لفيروس الإحباط وفسح المجال للحاقدين كي ينفثوا سمومهم، فيُحبطوا عزيمته ويُنهكوا قواه، فيغيّر بالتالي أهدافه ويستسلم. وهكذا يسلك أسهل الطرق نحو الهزيمة، ويقدّم للحاقد هديةً ما كان ليحلم بها طوال عمره المليء بالأطماع الملطَّخ بسواد الآمال.
صار لدى هذا الشخص فيروسُ الضعف والإحباط، ويتبع ذلك التقصيرُ والتهاون في الأداء بعد أن كان يُشار إليه بالبنان لالتزامه بواجبه. وهنا يصل إلى عجزه عن العطاء في دنيا تعجّ بالأوبئة التي تقضي على الفرد من داخله دون أن يشعر؛ فتتكدّر حالته النفسية، وشيئاً فشيئاً يستسلم لشعور الضيق والانهزام ويُقصّر في واجباته، فتسوء حالته أكثر مما كانت.
علينا أن نقاوم كيلا نضعف ولا نستسلم، وألّا نعتقد أنه لا جدوى من عطائنا في زمن القسوة، وألّا نستمع لمن يقول: «ما الجدوى من طلب المعرفة في وقتٍ تزداد فيه الأمور سوءاً؟» علينا ألّا نربّي تحت جناحنا حشرات الانهزام؛ فإن سلمنا من بعضها سيصيبنا البعض الآخر لا محالة.
إذا رحّبنا بفيروس الضعف في حياتنا، فلن نكون في النهاية سوى أشباحٍ تهيم على وجوهها. قد تبدو صحتنا الظاهرية جيدة، لكن هذا الفيروس يفتك بالخلايا الداخلية رويداً رويداً.
همسة أخيرة:
لكَ يا من رغبتَ في حمل لواء العلم والعزة، وارتضيتَ المشقة وبذل الجهد وسيلةً لتحقيق أهدافٍ سامية: لا تستسلم، وتحدَّ كلَّ المصاعب بعزيمةٍ وإصرارٍ وإيمانٍ بالله وثقة بالنفس لا تنتهي. ولكل من يعمل لبناء وطنه وأُسرته: فكّر في أبنائك واغرس فيهم قيماً تفيدهم مستقبلاً، ولا تحبطوا عزائمكم؛ فكلٌّ منا يمتلك قدراتٍ تميّزه وتكسبه صفة التفرد. هنا سنضع حداً لهذه الفيروسات، وستنتهي لأنها لن تجد البيئة المناسبة لتكاثرها ونموّها.
*رئيسة قسم إشراف الإدارة المدرسية بمحافظة جنوب الشرقية
