محمد بن علي الوهيبي
لماذا لا نرى حتى اليوم “هايبر ماركت” مملوكًا بالكامل لمواطن عُماني؟ سؤال بسيط في مظهره عميق في جوهره لا يبحث عن إجابةٍ نظرية بقدر ما يستنهض هِمّة، ويستحثُ وعيًا جديدًا بأهمية التملك في المساحات التجارية الكبرى فـ”الهايبر ماركت” ليس مجرد متجر عملاق، بل نبض من نبضات المدينة، لصيق بالحياة اليومية، مقصد للناس من كل الأطياف، وركن لا يُستغنى عنه في دورة الاقتصاد الأسري والمجتمعي.
أتذكّر المرحوم عبدالله بن سلطان بن محمد الشامسي، الذي كان من أوائل من جسّدوا مفهوم “الهايبر ماركت” في عُمان بمعناه العصري في الثمانينات، كان موقعه بجوار سينما النجوم بروي، افتتح متجره الذي لم يكن مجرد محل، بل وجهة حقيقية للمواطنين والمقيمين على حد سواء امتد لاحقًا إلى ولاية السيب، حيث يقع اليوم محل “رامز”، لكن المشروع لم يكتب له الاستمرار طويلًا، وإن بقي أثره في الذاكرة.
لا أملك كل التفاصيل حول أسباب التوقف، لكنني أذكر الرجل جيدًا، وأجزم أن نجاحه المبهر حينها كان شهادة ناصعة على قدرة العُماني على خوض أصعب ميادين التجارة، بإدارة واعية، وسمعة عطرة.
كما لا يمكنني نسيان “رواسكو” في الخوير، الذي بدوره سجّل حضورًا لافتًا في ذات المجال، وكان من أوائل التجارب العُمانية التي نافست بثقة ونجاح.
ولا بد هنا من التوقف عند تجربة مركز العامري الناجحة في ولاية السيب، التي تستحق الإشادة، كونه من التجارب النادرة التي صمدت واستمرت منذ عام 1964، ومرت بتحولات وتطورات ملحوظة حتى يومنا هذا، لتبقى نموذجًا راسخًا في الاستمرارية والنجاح في هذا المجال.
ومع تعاقب السنين، ظهرت علينا سلاسل الهايبر الأجنبية، تُحكم قبضتها على السوق، دون أن يكون للمواطن حضور موازٍ، نعم لا ننكر أهمية المنافسة، بل نرحب بها، لكننا نتوق لأن تكون اليد العُمانية في صدارة المشهد، تملك وتدير وتربح ليبقى المال يدور في رحى الوطن، ينعش اقتصاده ويعزز استقلاله.
لسنا هنا ضد الشريك الأجنبي، بل نريده محفّزًا لا بديلًا، ونؤمن أن النجاح لا يأتي بالمحاباة، بل بالشطارة والالتزام.
إن ما يقدمه هذا النمط التجاري من فرص ربحية مستدامة وتنوع في العرض وشمول في الخدمة، يجعل الاستثمار فيه أحد أهم وأذكى المسارات التي يمكن أن ينخرط فيها رأس المال المحلي لكنه رغم ذلك ظلّ بعيدًا عن حقل التملّك العُماني، وكأن ثمة عوائق غير مرئية تُبقي الحُلم على الرصيف!.
فهل يوجد قصور في مصادر التمويل؟ أم ترددٌ في خوض غمار إدارة هذا الصنف من الأعمال؟
الحقيقة أن الأسباب تتقاطع، فثمة غياب ملحوظ لبيئات داعمة تُبسّط للمستثمر العُماني الطريق نحو هذا النوع من المشاريع، سواء عبر شراكات تمويلية ذكية، أو منظومات محاسبية ورقابية دقيقة تمنع التسيّب وتعزز الثقة.
كما أن الهاجس الإداري والخدمي، وعدم وجود فرق متخصصة، غالبًا ما يجعل الحالمين يتراجعون عند العتبة الأولى. بينما الحقيقة أن الإدارة يمكن استقطابها، والنظام يمكن بناؤه، والرؤية يمكن بلورتها، فقط حين تكون الإرادة حاضرة، والرغبة صادقة في أن يكون للمواطن موطئ قدم في اقتصاد بلاده اليومي.
“الهايبر ماركت” ليس ترفًا تجاريًا، بل ضرورة حيوية تعكس شكلًا من أشكال السيادة الاقتصادية.
آن الأوان لتبني مبادرة وطنية متكاملة: تمويل، تدريب، شراكة بين الجهات، وتدشين أول “هايبر ماركت عُماني” يُدار بكفاءة عالية، ويكون نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه المشاريع الوطنية الكبرى.
فالأوطان لا تُبنى فقط بالأقوال والتنظير، بل بالاستثمار في كل ما يلامس الناس، ويعكس حضورهم الحقيقي على أرضهم.
فأين “الهايبر ماركت العُماني” في كل أرجاء البلاد؟ سؤال نطرحه اليوم ولا نمل من تكراره، ليُصبح غدًا جوابًا منجزًا في قلب السوق.
