سلمان الفارسي
عضو المجلس البلدي بمحافظة جنوب الشرقية/ مصيرة
في زمنٍ تتسارع فيه الأزمات وتتفاقم التحديات على الساحتين الإقليمية والدولية، تبرز سلطنة عُمان بثباتٍ نادر، مؤكدة من جديد أن الحكمة ليست موقفًا عابرًا، بل منهج حياة ودور حضاري متجذر في عمق التاريخ والجغرافيا.
لقد أثبتت عُمان على مدار العقود الماضية أن دبلوماسيتها ليست ردود أفعال، بل رؤية شاملة تقوم على الهدوء الاستراتيجي، وبناء الثقة، وعدم الانجرار وراء الانفعالات السياسية، وهو ما جعلها موضع احترام عالمي وشريكًا نزيهًا يُعتمد عليه في لحظات التعقيد القصوى.
دبلوماسية بلا ضجيج… وإنجازات تتحدث
في الوقت الذي تنافست فيه بعض العواصم على الأضواء والمكاسب الآنية، اختارت عُمان العمل بصمت، مركزة على تقريب وجهات النظر، ورأب الصدع، وبناء الجسور حين عزّ البناؤون. لم يكن هدفها تصدّر المشهد الإعلامي، بل صناعة نتائج حقيقية تحفظ الأرواح، وتصون السيادة، وتُعيد للعقل مكانه على طاولة النزاعات.
هذه السياسة المتزنة لم تُولد من فراغ، بل هي امتداد لإرث حضاري عميق، وقيادة سامية مؤمنة بأن السلام ليس ضعفًا، وأن الحوار هو أقوى سلاح تمتلكه الأمم العاقلة.
ولعل أبرز ما ميّز النهج العُماني هو استمراريته؛ فقد وضع المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – الأسس المتينة لهذا التوازن السياسي، وها هي القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – تُعزّز هذه الرؤية وتوسّع آفاقها بثقة وشجاعة.
شهادة العالم في عُمان
اليوم، ومع كل أزمة تشتعل، يعود العالم ليطرق باب مسقط بحثًا عن صوت عاقل يستطيع أن يُسمَع في ضجيج الصراعات. وقد أجمعت قوى دولية نافذة، دون حاجة إلى ذكر الأسماء، على أن عُمان تُشكّل الأمل الواقعي في مسارات التهدئة وإحياء المفاوضات، لما عُرفت به من حياد مبدئي، وذكاء سياسي، واحترام شامل من كافة الأطراف.
ليس من السهل أن تنال دولةٌ هذه المكانة دون أن تكون قد دفعت ثمنها بالصبر والاتزان والحرص الدائم على أن تظل في منطقة التوازن، مهما بلغ ضغط التحولات.
ويكفي أن نقول إن عُمان كانت وما زالت الحاضن الأمين للحوارات السرية التي مهّدت لتفاهمات كبرى، رغم صعوبة السياق، وسرّبت الأمل في أجواء من التعقيد الدولي الحاد.
استشراف المستقبل… عُمان كما أرادها قادتها
اليوم، ونحن نشهد كيف تتحول مسقط إلى منصة دبلوماسية مركزية في ملفات إقليمية ودولية معقدة، يحق لكل عُماني أن يفخر بانتمائه لهذه الأرض المباركة. فالدبلوماسية العُمانية ليست مجرد ورقة سياسية، بل مدرسة حضارية في إدارة الخلاف، وثقافة أصيلة تؤمن بأن السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى بالحكمة والإقناع.
وإذا كان الماضي قد صنع لعُمان مكانتها، فإن المستقبل يُبشّر بدورٍ أعظم في ظل قيادة تؤمن بأهمية التوازن، وتُدرك حساسية الجغرافيا، وتعتمد على العقل الجماعي العُماني الذي أثبت مرارًا أنه قادر على أن يكون جزءًا من الحل، لا المشكلة.
نكتب اليوم لا لنسجل موقفًا، بل لنؤكد أن عُمان ستبقى كما عهدناها: ضمير المنطقة، وصوت العالم الباحث عن السلام، وجسرًا أمينًا بين الشعوب.