بقلم: حمود بن علي الطوقي
في زمن تتصاعد فيه التوترات، وتشتعل فيه الجبهات بين إيران وإسرائيل، يظن البعض أن إيران باتت على حافة الانهيار، وأن الضغط العسكري المتصاعد كفيل بإسقاطها. لكن قراءة موضوعية للمشهد الإقليمي والتاريخ السياسي الحديث تقودنا إلى استنتاج واحد: إيران لن تسقط.
الحرب الدائرة اليوم لم تبدأ من فراغ. فقد كانت إسرائيل هي الطرف المبادر، حينما نفذت ضربة صاروخية جريئة على الأراضي الإيرانية، استهدفت فيها قادة بارزين وعلماء في مواقع حساسة. كان ذلك استفزازًا صارخًا لم تمرره طهران مرور الكرام. فجاء الرد الإيراني عنيفًا وصادمًا، لم تتوقعه حتى حليفة إسرائيل الكبرى، الولايات المتحدة. وكان لهذا الرد أن يشعل فتيل مواجهة غير تقليدية، أعلنت فيها إيران أنها قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي وضرب منشآت حيوية تُعد عصب البنية التحتية لتل أبيب.
ورغم أن إيران خسرت قادة وعلماء يشكلون رموزًا وطنية، إلا أنها لا تعتمد على أفراد مهما كانت مكانتهم، بل على مؤسسات مترامية، قائمة على تراكم معرفي وخبرات أمنية واستراتيجية. من ارتقوا في هذه الحرب واستشهدوا هم فخر لإيران، ولكن الرد الإيراني لن يكون رمزيًا، بل مدمرًا لمن يظن أنه قادر على المساس بأمنها القومي دون كلفة.
لقد أثبتت التجربة القريبة أن إسرائيل، وبتعنت حكومة نتنياهو، لم تتمكن من هزيمة غزة، رغم أنها بقعة صغيرة ومحاصرة منذ سنوات. مارست فيها آلة الحرب الإسرائيلية كل أشكال الإجرام: قتلٌ للمدنيين، تدميرٌ للمنازل، اجتثاثٌ للبنية التحتية، واستهدافٌ للمستشفيات والمدارس والمساجد ودور العبادة. ومع ذلك، وقفت غزة شامخة، تقدم للعالم دروسًا في الصمود، وتؤكد أن المقاومة الباسلة ليست مجرد رد فعل، بل مشروع كرامة لشعبٍ لا يقبل الهزيمة. لقد كان طوفان الأقصى عنوانًا لفخر الأمة، ومعركة كشفت حدود القوة الإسرائيلية رغم تفوقها العسكري.
رجوعًا إلى إيران، والمتابع للشأن الإيراني يرى أنه منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وإيران تعيش تحت وطأة العقوبات، تُعاقب سياسيًا واقتصاديًا وتُعزل دبلوماسيًا. ومع ذلك، لم تنهَر، بل بنت منظومة على مختلف الأصعدة، فبنت منظومة دفاع وردع تجعل منها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
ولا يمكن الحديث عن التوتر الإيراني الأمريكي دون التوقف عند الجهود الدبلوماسية العُمانية، حيث بذلت سلطنة عمان في مراحل سابقة مبادرات ووساطة مهمة لتضييق الفجوة. لقد لعبت سلطنة عمان دورًا محوريًا في التهدئة، حين استضافت أولى جلسات التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي. كانت مسقط جسرًا بين خصمين عنيدين، وأثبتت أن الحوار ممكن حتى في أحلك الظروف، وأن الحلول لا تأتي فقط من فوهات البنادق، بل من طاولات النقاش الهادئ. لكن حين يُغلق باب الدبلوماسية، لا يبقى للدول إلا أن تثبت نفسها في ميادين أخرى.
الواقع أن إيران لا تمثل مجرد نظام سياسي، بل كيانًا استراتيجيًا متكاملاً، له امتداد في التاريخ، وتماسك في الداخل، ووزن في الإقليم. ليست دولة يمكن تطويعها بإملاءات أو إسقاطها بضربات مفاجئة. في المنطقة دول كثيرة لديها ثروات، لكن لا تمتلك إرادة الصمود؛ بينما إيران عرفت كيف تحوّل التهديد إلى فرصة، والحصار إلى حافز، والخسارة إلى مشروع استعادة.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقف اليوم بثبات، لا لأنها الأقوى عسكريًا فقط، بل لأنها تعرف ما تريده، وتملك أدوات فرض إرادتها في لحظات المصير. من يظن أن هذه الدولة المسلمة ستنهار، يكرر الخطأ ذاته الذي وقع فيه كثيرون من قبل، حين ظنوا أن العقوبات ستخنقها أو أن عزلها سيقود إلى انهيارها.
أقولها بفم مليء: إيران لن تسقط، لأنها دولة صلبة وتعرف كيف تصوغ الرد، وتعيد ترتيب أوراقها، وتفرض على الآخرين أن يعيدوا النظر في مواقفهم؛ فإيران قوة عظمى، ومكانتها كبيرة.
أخيرًا أقول: إيران لن تسقط، وغزة ستنتصر، وإسرائيل ستحترق.