د. فاطمة بنت محمد البلوشية
يكتسب مفهوم الاستثمار الاجتماعي، كونه مفهوماً حديثاً، أهمية متزايدة في مجال التنمية المستدامة وتحسين رفاهية المجتمعات. ويُعنى الاستثمار الاجتماعي بتخصيص الموارد المالية والمادية للمشاريع التي تهدف إلى تحقيق أثر اجتماعي إيجابي ومستدام، بالإضافة إلى العوائد الاقتصادية المرجوة. ويركز هذا النوع من الاستثمار على تحسين رفاهية الأفراد والمجتمعات من خلال توفير الفرص والخدمات في مجالات مثل: تنمية الموارد البشرية، والصحة، والتعليم، والبيئة، وغيرها، مع تحقيق أهداف اجتماعية طويلة الأجل مثل الحد من الفقر، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحسين جودة الحياة.
والجدير بالذكر وجود اختلاف جوهري بين الاستثمار الاجتماعي والاستثمار التقليدي، حيث إن الأول لا يسعى إلى تحقيق عائد مالي فحسب، بل يهدف أيضاً إلى تحسين الظروف الاجتماعية والبيئية. ويتم تنفيذ الاستثمار الاجتماعي من خلال شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وتتجلى آثار الاستثمار الاجتماعي على رفاهية الناس عموماً من خلال عدة جوانب رئيسية؛ من أبرزها تحسين نوعية الحياة، عبر استثمار الموارد في مشاريع تهدف إلى تحسين البنى الأساسية، والرعاية الصحية، وتنمية الموارد البشرية، والتعليم، والخدمات الاجتماعية، وبالتالي تحسين جودة الحياة في المجتمعات المستهدفة. كما يوفر الاستثمار الاجتماعي فرص العمل والتنمية الاقتصادية في المناطق الأشد احتياجاً، مما يسهم في الحد من الفقر وتحسين مستويات معيشة الأفراد والأسر.
بالإضافة إلى تطوير التعليم وتنمية الموارد البشرية، فإن الاستثمار في تنمية الموارد البشرية يعزز القدرات الفردية، ويساهم في تحسين الفرص الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي إلى مجتمعات أكثر إنتاجية وازدهاراً. كما يساهم الاستثمار الاجتماعي أيضاً في تعزيز العدالة الاجتماعية، حيث يساعد على تقليل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع.
يركز الاستثمار الاجتماعي في تنمية الموارد البشرية على تخصيص الموارد لدعم مؤسسات التعليم والتدريب، وتحسين قدرتها على تزويد الأفراد بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها للمشاركة بفعالية في سوق العمل. ويشمل ذلك تطوير البنى الأساسية للتعليم، وتحسين جودته، وتوفير فرص التدريب التي تلبي احتياجات سوق العمل. كما يهدف هذا النوع من الاستثمار إلى تحسين قدرة الأفراد على الوصول إلى الوظائف الجيدة والرعاية الاجتماعية.
ويمكن للحكومات والقطاع الخاص العمل معاً لتمويل برامج تنمية الموارد البشرية، لتحسين جودة التعليم والتدريب وتوسيع نطاقه ليشمل جميع الفئات الاجتماعية. ويتمثل دور الحكومة في توفير الإطار القانوني والسياسات الداعمة، في حين يمكن للقطاع الخاص المساهمة من خلال تمويل المشاريع، وتوفير الخبرات الفنية، ودعم الابتكار. إن التكامل بين الطرفين يقلل من العبء المالي على الحكومة، ويعزز فرص التعليم والتدريب للطلاب على كافة المستويات.
بالإضافة إلى الآثار الإيجابية للاستثمار الاجتماعي العام، هناك أيضاً آثار إيجابية على المجتمع من الاستثمار الاجتماعي في تنمية الموارد البشرية. فالاستثمار في التعليم والتدريب يؤدي إلى تحسين الفرص الاقتصادية، حيث يكتسب الأفراد المهارات التي يحتاجونها للعمل في مختلف القطاعات، مما يزيد من فرص العمل لديهم، ويحسن من مستويات دخلهم. كما أنه يقلل من الفوارق بين الطبقات الاجتماعية.
بالإضافة إلى دعم جهود التنمية المستدامة، فإن التعليم والتدريب هما أساس التنمية المستدامة؛ فمن خلال تنمية القدرات البشرية، يعزز الاستثمار الاجتماعي قدرة المجتمع على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، ويساهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام.
وإدراكاً من سلطنة عمان لأهمية الاستثمار الاجتماعي وأهمية تنظيمه لتعظيم الفائدة، تم تأسيس مركز الاستثمار الاجتماعي التابع لغرفة تجارة وصناعة عمان، بحيث يتولى القيام بحوكمة وتأطير مبادرات الاستثمار الاجتماعي في سلطنة عمان، وفق نهج متكامل يقوم على بناء شراكات استراتيجية مستدامة مع مختلف الجهات، وإيجاد مبادرات تقدم حلولاً للتحديات المختلفة، والتي تشمل التحديات الاجتماعية والبيئية والصحية والاقتصادية والتعليمية والتدريبية، بهدف نشر ثقافة الاستثمار الاجتماعي وطنياً ودولياً.
كما يهدف المركز إلى نشر ثقافة الاستثمار الاجتماعي على الصعيدين الوطني والدولي، باستخدام منهجيات وتقنيات إحصائية يتم فيها توظيف الأفكار المبتكرة والإبداعية لقياس الأثر المتوقع للاستثمار الاجتماعي، من أجل تحويل الاستثمار الاجتماعي من أعمال وممارسات محدودة الأثر إلى مبادرات ذات عوائد قابلة للقياس، وذلك بالتعاون بين القطاعين العام والخاص في سلطنة عمان. ويتطلع المجتمع للاستفادة من هذه الجهود لتلبية التطلعات، وتعزيز تنمية الموارد البشرية الوطنية، للوصول إلى مجتمع إنسانه مبدع.
وفي الختام، يعد الاستثمار الاجتماعي خطوة مهمة نحو بناء مجتمعات مستدامة، قادرة على تحقيق رفاهية مواطنيها. إن استثمار الموارد في المشاريع الاجتماعية التي تركز على تنمية الموارد البشرية، والصحة، والبيئة، والعمل، يمكن أن يحسن من نوعية الحياة للعديد من الأفراد. ويمكن أن تساهم التزامات الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني بالاستثمار الاجتماعي في خلق عالم أكثر ازدهاراً، وبناء اقتصادات قوية، ومجتمعات متعلمة ومهيأة للمستقبل.
المراجع:
- البنك الدولي: Social Investment Funds: A Strategy for Social Protection?
- الأمم المتحدة: تستند سياسات التنمية المستدامة التي تعتمدها الأمم المتحدة إلى تعزيز استثمارات في مجالات اجتماعية مختلفة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD): تقدم المنظمة دراسات متعمقة حول كيفية تأثير الاستثمار الاجتماعي على رفاهية المجتمعات من خلال تقارير دورية وبرامج تحليلية.
- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو – UNESCO): تقدم اليونسكو تقارير ودراسات حول التحديات التي تواجه أنظمة التعليم في الدول المختلفة، وتوضح كيفية الاستثمار الاجتماعي في التعليم كمحور رئيسي لتنمية المجتمعات.
- مجلس التعليم والتدريب المهني العالمي (Cedefop): يعمل Cedefop على تطوير وتنفيذ سياسات التدريب المهني والتعليم المستمر في الدول الأوروبية، وتقديم دراسات مقارنة حول ممارسات التعاون بين القطاعين العام والخاص.