محمود بن خلف بن ناصر العدوي
تحدثنا في مقالنا السابق بعنوان “توظيف الذكاء الاصطناعي لضبط قطاع المقاولات والبناء” عن إمكانيات تقنية الذكاء الاصطناعي في تنظيم وإدارة هذا القطاع المهم، اعتمادًا على تجميع وتحليل بيانات صحيحة وسليمة وفق خوارزميات تستند إلى علوم الهندسة المعمارية والإنشائية. وفي هذا المقال، سنتطرق إلى إمكانية وقدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي على خدمة العمل التطوعي بمختلف مجالاته الإنسانية والاجتماعية.
يُعدّ العمل التطوعي من الأعمال الجليلة التي يستطيع الفرد من خلالها تقديم خدمات للآخرين والمجتمع من ذاته دون انتظار عائد أو مقابل مالي، كما يُعد من الركائز الأساسية التي تدل على روح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمعات، ويسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية أو الخاصة. وبطبيعة الحال، لا يخلو العمل التطوعي من تحديات وصعوبات، وخاصة عند تعرض أي بلد – لا قدّر الله – لكارثة مثل الأنواء المناخية أو الزلازل أو الفيضانات، فحينها يحتاج العمل التطوعي إلى جهد كبير وتكاتف من جميع شرائح المجتمع والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية. وهنا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدّم خدمات تُساند أعمال اللجان التطوعية والعاملين فيها بمختلف اختصاصاتهم.
يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية، وأتمتة المهام المتكررة، وتحسين عملية اتخاذ القرارات المناسبة. إذ إن الفرق الخيرية التطوعية المنتشرة في أرجاء سلطنة عمان تعتمد اعتمادًا كليًا على البيانات، إلا أن هذه البيانات تحتاج إلى تقنيات قادرة على التعامل معها بسرعة ودقة عالية لتوفير الوقت والجهد البشري.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي خدمة اللجان التطوعية؟
أولًا: إدارة وتحليل البيانات الديموغرافية
تعنى الديموغرافيا بدراسة السكان من حيث العمر، الجنس، المستوى التعليمي، الحالة الاجتماعية، الحالة الاقتصادية، والانتماءات الجغرافية وغيرها من السمات. وتمثل هذه البيانات أداة تحليلية مهمة لفهم تركيبة المجتمع وتحديد سلوكياته واحتياجاته الأساسية، ما يسهم بشكل فعال في تنظيم العمل التطوعي وتوزيع الجهود بشكل عادل ومتوازن بين المناطق. ويمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تجميع وتحليل هذه البيانات عبر خوارزميات خاصة مرتبطة بالعمل التطوعي، وتقديمها في شكل تقارير منظمة وسريعة الرجوع إليها عند الحاجة. كما يمكنه إدارة بيانات المتطوعين وتنظيم جداول الأعمال وتوزيع المهام بناءً على مهاراتهم العلمية والعملية وميولهم، مما يسهل على رؤساء اللجان إدارة المتطوعين بفعالية.
ثانيًا: إدارة المخازن التابعة للفرق التطوعية
تمثل المخازن محورًا رئيسًا في عمل الفرق التطوعية، خصوصًا في الحالات الطارئة. فكلما كانت إدارة المواد المخزنة منظمة، كانت الاستجابة للاحتياجات الميدانية أسرع. ويمكن إدخال الذكاء الاصطناعي لإدارة المخزون وتتبع عملياته من خلال نظام ذكي يفحص البيانات المتعلقة بالمواد المخزنة (كالمواد الغذائية، الأدوية، البطانيات)، ويحدثها لحظيًا، ويتنبأ بالاحتياجات بناءً على البيانات المتوفرة. وهذا يتيح لرؤساء اللجان معرفة الكميات المتبقية واتخاذ الإجراءات المناسبة، مثل التواصل مع المؤسسات الرسمية أو الجهات الداعمة. ويمكن أيضًا ربط قاعدة بيانات المخازن بأرقام تواصل لتلك الجهات بحيث تُرسل رسائل تلقائية تطلب توفير المستلزمات الضرورية، ما يقلل من الوقت والجهد ويسرّع الاستجابة.
ثالثًا: إنشاء مركز تدريبي للمتطوعين باستخدام الذكاء الاصطناعي
من الضروري أن يتمتع المتطوع بمهارات أساسية للتعامل مع حالات مثل الغرق، الإغماء، أو السكتات القلبية. ويمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لإنشاء مركز محاكاة يتيح للمتطوعين خوض تجارب افتراضية تحاكي الظروف الواقعية، خصوصًا في الحالات الطارئة. يسهم ذلك في رفع كفاءتهم وقدرتهم عبر بيئة ذكية، تجعلهم أكثر تأهيلاً للعمل الميداني. كما يمكن تصميم سيناريوهات محاكاة دقيقة حسب نوع العمل (الإغاثة، الرعاية الصحية، تنظيم الفعاليات)، مما يجعل التدريب أكثر دقة وتحفيزًا. ويمكن لهذا المركز أن يحقق دخلًا ماليًا للفرق التطوعية عبر تقديم دورات للمؤسسات والأفراد.
رابعًا: إنشاء دردشة ذكية بالذكاء الاصطناعي تختص بالعمل التطوعي
أصبحت الدردشات الذكية إحدى وسائل التواصل الحديثة، حيث يمكنها الإجابة عن الاستفسارات بناءً على قاعدة بيانات محددة. ويمكن استخدامها في العمل التطوعي ليتمكن الراغب في التطوع من معرفة الأساسيات المطلوبة، أو للاستفسار عن الحالات المستحقة للدعم. كما تساهم هذه الدردشات في تخفيف العبء الإداري، وتسريع اتخاذ القرارات، ونقل المعرفة من خلال تقارير أو تجارب متطوعين سابقين، مما يوفر الوقت في البحث عن المعلومات المهمة.
ختامًا
إن تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على إحداث تحول جذري في العمل التطوعي، بفضل قدرتها على تجميع وتحليل البيانات، خاصة في ظل التحديات المناخية المتزايدة. كما تساهم في إدارة الفرق وتوزيعها حسب الحاجة، وإدارة المخازن بكفاءة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الضرورية. وهذا من شأنه أن يعزز الثقة المجتمعية بالأعمال التطوعية، ويخلق رغبة حقيقية لدى الكثير من الأفراد للانضمام إلى هذا العمل النبيل.