المحامي أحمد بن حسن البحراني
في ظل ما يشهده الاقتصاد العُماني من تحولات هيكلية وتوجه استراتيجي نحو تنويع مصادر الدخل، جاء صدور قانون المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة بموجب المرسوم السلطاني رقم 105/2020 كتطور طبيعي وضروري لمواكبة المرحلة المقبلة، وتحقيق الأهداف التي رسمتها رؤية عُمان 2040 في جانب تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات النوعية. هذا القانون لا يُعدّ مجرد تحديث تشريعي، بل يمثل نقلة نوعية في أسلوب الدولة في التعامل مع منظومة المناطق الاقتصادية والحرة، حيث تجاوز الترتيبات الإدارية السابقة التي كانت تتسم بالتعدد والتباين، ليؤسس لنموذج أكثر كفاءة وتكاملًا.
فمن أبرز السمات التي تميز القانون الجديد عن الإطار القانوني السابق هو إرساؤه لنظام موحد يُنظم كافة المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في السلطنة، بعد أن كانت كل منطقة تخضع لنظامها الخاص وفق تشريعات متفرقة. هذا التوحيد لم يكن مجرد دمج شكلي، بل خطوة إصلاحية عززت من الوضوح القانوني والشفافية أمام المستثمرين، وأزالت العديد من التحديات التي كانت تواجههم، خاصة تلك المتعلقة بتعدد المرجعيات الإدارية وتفاوت الامتيازات الممنوحة لكل منطقة.
وقد استحدث القانون الجديد إنشاء “الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة” كجهة إشرافية وتنظيمية موحدة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، الأمر الذي مكّنها من ممارسة صلاحياتها بمرونة وفعالية، وعزز من قدرتها على التخطيط الاستراتيجي وتوفير بيئة استثمارية أكثر تنافسية. كما أن تمكين الهيئة من تقديم التراخيص والخدمات الاستثمارية من خلال نافذة واحدة خفف كثيرًا من الإجراءات البيروقراطية التي كانت تُثقل كاهل المستثمر.
في جانب الحوافز والتسهيلات، حرص القانون على توضيح الإعفاءات الضريبية والجمركية التي يمكن للمستثمرين الاستفادة منها، محددًا نطاقها الزمني وشروطها بوضوح، بما يحقق التوازن بين تشجيع الاستثمار وحماية مصالح الدولة المالية. كما أن القانون منح الهيئة المرونة في اعتماد أنظمة عمل ولوائح خاصة بكل منطقة، بما يسمح بتكييف السياسات بحسب خصوصية كل منطقة ومجالاتها الاقتصادية، دون أن يُخل ذلك بوحدة الإطار القانوني العام.
ولعل من النقاط التي تستحق الوقوف عندها هو ما تضمنه القانون من توجه نحو تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال تخفيض رسوم الخدمات وتيسير الإجراءات، وهو ما يعكس اهتمامًا واضحًا بإشراك هذا القطاع الحيوي في حركة التنمية الاقتصادية التي تشهدها المناطق الحرة والاقتصادية.
القانون لم يغفل أيضًا عن البعد الرقابي والتنظيمي، فأسس نظامًا متكاملًا يضمن الحوكمة والامتثال للأنظمة، بما يعزز من مصداقية هذه المناطق لدى الشركاء الدوليين. كما فتح القانون الباب أمام إنشاء مناطق اقتصادية أو حرة جديدة بموجب قرارات يصدرها مجلس الوزراء، وفقًا لمتطلبات التنمية الاقتصادية، مما يعكس رؤية استشرافية ديناميكية قابلة للتوسع والتكيف مع المتغيرات.
إن صدور هذا القانون يمثل بلا شك تحوّلًا مهمًا في المسار القانوني والإداري للمناطق الاقتصادية والحرة في السلطنة، ويؤكد جدية الدولة في استقطاب الاستثمارات النوعية، وتهيئة بيئة أعمال تواكب أفضل الممارسات العالمية. كما أنه يقدم نموذجًا جديرًا بالدراسة لما يمكن أن تحققه التعديلات التشريعية عندما تُبنى على أسس من الشفافية والتكامل والكفاءة.
ختامًا، فإن القراءة المتأنية لهذا القانون تكشف عن إرادة سياسية واقتصادية واضحة لوضع عُمان في موقع تنافسي إقليمي وعالمي، ليس فقط من حيث الموقع الجغرافي والمزايا الطبيعية، بل من حيث الجاهزية المؤسسية والتشريعية. وهي خطوة نأمل أن تثمر قريبًا عن نتائج ملموسة تعزز من مكانة السلطنة كوجهة استثمارية واعدة.