رأي شؤون عمانية
تؤكد الوساطة التي أجرتها سلطنة عمان بين الولايات المتحدة الأمريكية والسلطات المعنية في العاصمة اليمنية صنعاء، أهمية الدور الذي تقوم به الدبلوماسية العُمانية والمتسمة بالهدوء والاتزان لإطفاء النيران وحقن الدماء، في جهد اعتادت أن تبذله سلطنة عُمان بهدف رئيسي ووحيد وهو إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
ووفقا لما صرّح به ناطق بوزارة الخارجية فإنه بعد المناقشات والاتصالات التي أجرتها سلطنة عُمان مؤخرا مع الولايات المتحدة الأمريكية والسلطات المعنية في صنعاء بالجمهورية اليمنية بهدف تحقيق خفض التصعيد؛ فقد أسفرت الجهود عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين، وفي المستقبل، لن يستهدف أي منهما الآخر، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي.
ومع إعراب سلطنة عُمان عن شكرها لكلا الطرفين على نهجهما البنّاء الذي أدى إلى هذه النتيجة المرحّب بها، فإنها تأمل أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التقدم على العديد من المسائل الإقليمية في سبيل تحقيق العدالة والسلام والازدهار للجميع.
والواقع أن توقيت الوساطة العُمانية جاء في ظل بلوغ المشهد مستوى عال من التعقيد، حيث تصاعدت الغارات الأمريكية ودعمها العدوان الإسرائيلي على اليمن حتى بلغ الوضع ـ قبل ساعات من إعلان الوساطة ـ إلى غارات مكثفة استهدفت مطار صنعاء وأخرجته من الخدمة ودمرت الطائرات المدنية فيه ـ مع قصف منشآت بنى أساسية في صنعاء غداة قصف طال ميناء الحديدة، في مشهد رسمت النيران المتصاعدة فيه جراء القصف ما يبدو أنه عدم وجود أية بارقة أمل لوقف هذا الحريق الذي يهدد بنزف المزيد من الدماء.
وفي خضم ما بدت عليه الأزمة من استعصاء، جاءت الوساطة العُمانية لتنزع الفتيل في دور ليس وليدة اللحظة، بل امتداد للدور التقليدي الذي تلعبه مسقط في تقريب وجهات النظر دون ضجيج إعلامي.
ولاشك أن ما يعزز الدور العُماني هو نزاهة وموثوقية سلطنة عُمان بجميع الأطراف حيث أنها لطالما تبنت نهج “عدم التدخل” و”سياسة الحياد الإيجابي”، ما منحها مصداقية عالية.
وعلاوة على ذلك المنحى التراكمي للوساطات العُمانية حيث قامت سلطنة عُمان خلال السنوات الماضية باستضافة لقاءات تمت في هدوء للتفاهم حول ملفات إنسانية وسياسية، منها وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، وفتح الممرات الإنسانية الأمر الذي أدى إلى العديد من النتائج الملموسة مثل تهدئة التوترات في اللحظات الحرجة وفتح قنوات اتصال كانت مغلقة تمامًا وإطلاق سراح سجناء أميركيين بالتعاون مع السلطات في صنعاء.
وفي ظل تعقيدات المشهد الإقليمي تتزايد أهمية الدبلوماسية العُمانية الهادئة والمتزنة لتشكل صمام أمان يتم اللجوء إليه مع احتدام الأمور ليكون هذا الصمام هو رمانة ميزان الاستقرار بالمنطقة.