المحامي أحمد بن حسن بن إبراهيم البحراني
تُعد المادة (١٦) من قانون الصحة العامة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٤٣ / ٢٠٢٥ تجسيدًا صريحًا لموقف سلطنة عمان القانوني من موضوع “الهوية الجندرية”، وهو موضوع حساس تتقاطع فيه الأبعاد الطبية والدينية والاجتماعية. وتنص المادة المشار إليها على ما يلي:
“يحظر إجراء أي عمل يؤدي إلى تحويل الذكر إلى أنثى أو العكس مع اكتمال أعضاء الذكورة أو الأنوثة، وتستثنى من ذلك حالات تثبيت الجنس، وذلك وفقا للضوابط التي يبينها القانون المنظم لذلك.”
لفهم هذه المادة، لا بد من ربطها بالإطار الدستوري الأعلى الذي يحكم التشريع في سلطنة عمان، والمتمثل في النظام الأساسي للدولة، الذي ينص في مادته الأولى على أن: “سلطنة عمان دولة عربية إسلامية…”،
وفي المادة الثانية: “دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية هي أساس التشريع.”
أولًا: الحظر العام للتحول الجندري
تؤسس المادة (١٦) لقاعدة قانونية مفادها رفض الاعتراف القانوني أو الطبي بالتحول الجندري إذا كان الشخص مكتمل الصفات الجنسية. هذا الحظر يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر تغيير الجنس من دون سبب طبي مشروع تعديًا على الفطرة، وتغييرًا لخلق الله، وهو ما نهى عنه القرآن الكريم صراحة.
وقد قررت المجامع الفقهية الإسلامية، ومنها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، أن التحول الجندري القائم على “الرغبة النفسية” أو “الهوية الذاتية” لا يجوز شرعًا، ويمثل مخالفة صريحة لأحكام الإسلام.
ثانيًا: الاستثناء – تثبيت الجنس
غير أن القانون العماني، في اتساق مع مقاصد الشريعة ومبدأ رفع الحرج، أقر استثناءً دقيقًا يتمثل في “حالات تثبيت الجنس”، وهي الحالات التي لا يكون فيها جنس الإنسان واضحًا منذ الولادة، ويحتاج إلى تدخل طبي لتحديد صفته البيولوجية، بناءً على التشخيص السريري والفحوص الجينية، ووفق ضوابط تحددها الجهات المختصة.
هذا التمييز بين التحول الاختياري والتثبيت العلاجي يُظهر التوازن القانوني والشرعي الذي يميز المنظومة التشريعية في سلطنة عمان، إذ يُمنع ما هو عبثي أو مخالف للفطرة، ويُباح ما تقتضيه الضرورة ويقرّه العلم والشرع.
ثالثًا: الموقف القانوني العماني المتماسك
من الواضح أن المشرّع العماني قد راعى في المادة (١٦) مقتضيات الهوية الدستورية للسلطنة كدولة إسلامية، فلم يُدرج أي اعتراف قانوني بمفهوم “النوع الاجتماعي” (gender identity) المنفصل عن الجنس البيولوجي، كما هو الحال في بعض التشريعات الغربية. بل أبقى المرجعية على أساس الخلق البيولوجي والطبي، ولم يفتح الباب لمفاهيم متعارضة مع الفطرة والثوابت الدينية.
خاتمة
إن المادة (١٦) من قانون الصحة العامة تعكس انسجامًا عميقًا بين القانون والدين، وتُجسد رؤية سلطنة عمان القانونية والأخلاقية في التعامل مع قضايا الهوية الجندرية. فهي تمنع العبث بجسد الإنسان في غير موضع الضرورة، وتحمي الكيان الأسري والاجتماعي من المفاهيم المستوردة، دون أن تُغفل الحالات الطبية التي تستوجب تدخلًا رحيمًا وضروريًا. وبهذا تظل سلطنة عمان، في تشريعها، وفي التزامها بهويتها الإسلامية، وفية لفطرتها، ثابتة في مرجعيتها، ومتزنة في رؤيتها.