خاص ـ شؤون عمانية
في ظل التحولات السريعة وخاصة التكنولوجية والرقمية التي يشهدها العالم على كافة الأصعدة، يؤكد عددا من المهتمين بقضايا أدب الطفل ضرورة أن يواكب هذا الأدب هذه التغيرات لتلبية تطلعات الجيل الجديد وطموحاته، خاصة في ظل تطور وسائل الاتصال، وانفتاح الطفل على ثقافات متعددة منذ سن مبكرة في سياق تكنولوجي منهجي يتوافق مع اهتمامات الطفل في الوقت الحالي.
وحول مواكبة أدب الطفل العماني والعربي لتطلعات الجيل الجديد، خاصة ونحن نعيش في زمن الرقمنة وسباق التكنولوجيا، تقول مريم السلمانية
كاتبة ومحررة للنصوص الموجهة للطفل، إن أدب الطفل في سلطنة عُمان يعيش مرحلة ازدهار وتطور سريع، ويواكب احتياجات الجيل الجديد بشكل جيد، من خلال الإخراج الجيد لأغلب الكتب، والطرح المتجدد للكثير من المواضيع والقيم بحيث تدخل التكنولوجيا الحديثة في حبكة القصص ومعالجاتها. وتضيف: أصبح الاهتمام بأدب الطفل لا يقتصر على المشتغلين في المجال فحسب، بل نلاحظ اهتمام الكثير من المؤسسات الخدمية بنقل قيمها ومبادئها للجيل الجديد من خلال القصص التي صارت تثري الساحة العمانية عاما بعد عام، كما أن بعض المؤسسات تسعى لجعل القصص تفاعلية من خلال ربطها بتطبيقات وأنشطة إلكترونية.
وحول أنواع الإصدارات التي من الممكن أن يقتنيها الأطفال الزائرين لمعرض مسقط الدولي للكتاب، تبين: أوصي الأطفال باختيار القصص التي تمتعهم وتلائم ميولهم، والتي لا تتعارض مع قيم المجتمع وعاداته، ولا بد أن القصص الممتعة والخيالية ذات الجودة تحوي في طياتها عبرة وفكرة؛ حتى إن لم تكن مباشرة.
من جهته، يذكر مهند العاقوص وهو كاتب ومهتم بقضايا وأدب الطفل: أرى أدب الطفل عجينة صلصالية تشكل نفسها لتتناسب مع طبيعة كل عصر، ففي حين كان الكتاب يقتصر على الإنتاج الورقي سابقا أصبح لأدب الطفل عامة أشكال متعددة، فنشهد كل يوم ولادة منصة رقمية جديدة تزخر بأنواع القصص والقصائد والمسرحيات، وهذا يلتقي مع التطور الرقمي الذي نشأ الأطفال فيه، ولا يقتصر التطور على شكل الإنتاج وإنما حتى المحتوى الموجه للطفل صار يستمد موضوعاته من روح العصر، وهذا لا يعني أننا ننتقل من عصر الكتاب الورقي إلى عصر الرقمنة، بل نعيش عصرا جديدا تتعايش فيه الرقمنة مع الإصدارات الورقية التي تستطيع الوقوف في وجه الرياح التي تهب بين عصر وعصر.
ويضيف: بالنسبة لزوار معرض مسقط الدولي للكتاب، فإننا نلحظ زيادة أعدادهم عاما بعد عام، وهذا يثبت أن الكتاب الورقي لازال يحظى باهتمام كبير، ويستقطب جمهور القراء من صغار وكبار، إن كل كتاب هو زوادة معرفية تعين القارئ في رحلته نحو آفاق جديدة، لكن اختيار الكتاب الجيد سيجعل الوجبة أكثر دسامة، وخاصة عندما نتحدث عن أدب الأطفال، عندها يتوجب علينا أن ندرك أن الطفولة مقسمة إلى فئات عمرية، وعلينا أن نختار الكتاب المناسب للفئة العمرية، ثم بعد ذلك نفكر بنوع ذلك الكتاب.
ويوضح العاقوص: أدب الأطفال هو أدب قيمي، لذلك علينا أولا أن نبحث عن القيمة التي يقدمها الكتاب، وهذا لا يتنافى مع شرط المتعة، فإن الاستمتاع بالقراءة هو شرط لنجاح أي كتاب، ولأننا نتكلم عن الأطفال فإن الخيال هو الحصان الذي نسابق به المغريات الأخرى التي قد تبعد الأطفال عن أدبهم الجميل، وبذلك أنصح الأطفال أولا بتكوين عادة القراءة ومن ثم اختيار الكتاب الذي يتناسب مع فئتهم العمرية، وقدراتهم القرائية، وثالثا اختيار الكتاب الذي يحمل قيمة معرفية وأخلاقية وجمالية.
وفي السياق تقول الكاتبة زكية الشبيبية وهي ومختصة في الأدب الخاص بالطفل: غالبا ما يركز أدب الطفل المعاصر على قضية التنوع والشمول بحيث يحتم عليه هذا الواقع الذي يحيط بأطفالنا اليوم أن يواكب تطلعات الجيل الجديد الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا لدى كتاب أدب الطفل بالوصول إلى أبرز المواضيع التي تشغل بال أطفالنا اليوم، وتأخذ حيزا كبيرا من اهتمامهم، ومن المجحف عدم الالتفات لهذا التغيير الحاصل وتجربة الكتابة فيه، فالكتابة هنا ستكون بمثابة طوق أمان وعامل وقائي وفرصة لتوجيه هذا الجيل ورفع وعيهم وزيادة المعرفة لديهم،ومن الجميل أن كثيرا من المؤسسات والمنظمات المعنية بالجانب الرقمي والتكنولوجي اشتغلت بالأمر فكانت داعمة لتنتج كتبا معاصرة بالتعاون الجاد بينها وبين كتاب أدب الطفل، فليس الكاتب وحده هنا من تقع عليه المسؤولية أيضًا الجهات المعنية باختلاف تخصصاتها ومساراتها المهنية
وتتابع: أوصي بالتنوع والخلط في اختيار المواضيع على اختلافها بطريقة ذكية، وترغيب الطفل في تقبل هذا الاختلاف، فمن شأن كل موضوع أن ينمي فراغا في عقل هذا الطفل وروحه ويزيده فهما ودراية واطلاعا، ويغذي الذكاءات المتعددة لديه ويوسع دائرة إحساسه بها، وما أكثر تلك الذكاءات التي يتمتع بها أطفالنا فهناك الذكاء اللغوي، الرياضي، الموسيقي، المنطقي والحسابي، التقني وغيرها، وفكرة الموازنة في اختيار المواضيع سيكون أمرا رائعا حتما.
بدورها، تبين فاطمة بنت سعيد الزعابية وهي كاتبة ومهتمة بالشأن الثقافي لأدب الطفل: مواكبة أدب الطفل لتطلعات الجيل الجديد في زمن الرقمنة مُتطلب دفع بالعديد من دور النشر لتوظيف الباركورد (شريط الاستجابة السريع) بوضعه في الكتب وهذه أبسط صورة لأثر دور الرقمية في أدب الطفل، كما ساهم هذا الوعي في تصميم التطبيقات التي تضم عدد من القصص المختلفة، كما حرص كُتّاب الطفل على تناول المواضيع الرقمية والتكنولوجية في قصصهم، ومنها الذكاء الاصطناعي، والروبوت.
وتضيف: أدب الطفل في سلطنة عُمان بدأ يخطو خطوات مهمة نحو التحديث ومواكبة التحولات الرقمية، لكن لا يزال الطريق طويلا، فمع تزايد انخراط الأطفال في العالم الرقمي وتعلّقهم بالأجهزة الذكية، أصبحت المنافسة على جذب انتباههم شديدة، هناك جهود فردية ومبادرات مؤسسية تُبذل حاليا لإدخال عناصر التكنولوجيا في المحتوى القصصي، مثل توظيف الواقع المعزز، والتطبيقات المصاحبة للقصص، وتحويل بعض الإصدارات إلى كتب تفاعلية أو صوتية، وظهور تطبيقات تضم محتوى قصصي وتعليمي، كما تقوم منصة عين بدور مهم في تحويل بعض القصص لكتب صوتية.
وتؤكد: التحدي الأكبر هو في إنتاج محتوى رقمي جذاب وعالي الجودة ينافس المنصات الترفيهية العالمية، ويظل محتفظا بروحه التربوية واللغوية والثقافية، ولعل أهم ما نحتاجه اليوم هو تكامل بين الكتّاب، وصنّاع المحتوى الرقمي والمبرمجين، والمربين لإنتاج أدب طفل يليق بجيل ذكي، فضولي، وسريع التأثر بالتقنية.
وتشير إلى أنه ومن خلال معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الحالية ركز ركن الطفل على تقديم مجموعة من الفعاليات التي تظهر جهود مختلفة لمنصات في رقمنة القصص مثل منصة أديب، كما جاءت فعاليات مركز ثقافة الطفل متسقة مع ذلك فلديهم قسم المستقبل ومن فعالياته عالم الذكاء الاصطناعي وتقنية الهولوغرام، كما سيقدم ركن الضاد ورش مختلفة حول القراءة والكتابة الإبداعية، بالإضافة لورشة حكايات رقمية ضمن فعاليات ضيف الشرف.
وتواصل حديثها: أما حول أنواع القصص الموصى بها للأطفال الزائرين لمعرض مسقط الدولي للكتاب: أوصي بتوفير تنوع متوازن بين الأنواع القصصية الأربعة (التعليمية – الترفيهية – التربوية – الخيالية)، مع التركيز على اختيار المحتوى المناسب لكل مرحلة عمرية، والاستشارة لمن لهم إطلاع قبل الشراء، فتوجيه الطفل بأسلوب غير مباشر للكتب مهم، ويمكن بشكل عام التركيز على القصص الخيالية لأنها تغذي الخيال، وتوسّع المدارك، وتدرب الطفل على التفكير الرمزي والتخيل الإبداعي، خصوصا إذا ما كانت تحمل رسائل تربوية ضمنية، ويمكن كذلك انتقاء القصص التربوية والتعليمية شرط أن تكون بأسلوب غير مباشر ومشوق، تعزز القيم، وتقدّم مفاهيم الحياة بطريقة سلسة وقريبة من عالم الطفل، في النهاية، القصة الناجحة هي التي تتحدث بلغة الطفل، وتُلامس واقعه أو تطلعاته، وتقدم له محتوى جاذبا بصريا ومضمونا، سواء كان مطبوعا أو رقميا.