خاص – شؤون عُمانية
في ظل التطور الكبير الذي نشهده في مختلف المجالات، يلجأ الكثيرون إلى الكتب الرقمية كبديل للكتب الورقية، وهو ما يعتبره البعض تحديا كبيرا قد يؤثر على معارض الكتب.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد عدد من الكتاب والقراء والمثقفين أن الكتب الورقية لا تزال تتربع على عرش الثقافة محتفظة بمكانتها المعهودة، مسلطين الضوء على أبرز الأسباب التي تدفع القرّاء إلى شراء الكتب الورقية أو العزوف عنها.
ويقول الدكتور ناصر الحسني، كاتب وباحث أكاديمي: “فيما يتعلق بالكتاب الورقي، فهو في الحقيقة لا يزال يتربّع على عرش الثقافة في مختلف الدول؛ صحيح أننا أصبحنا نعيش في عالم متغير، وأن الرقميات والكتاب الإلكتروني تدفع به عوالم الإنترنت والبيانات وتقنيات المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي بقوة هائلة لا ينبغي الغفلة عنها أو استغفالها، لكن الصحيح أيضًا أن للكتاب الورقي خصوصية كبيرة جدًّا بالنسبة للقارئ أو المبدع على حد سواء؛ فرائحة الكتاب الورقي تجعلنا نواصل القراءة في الكتب الورقية، ولا يمكننا الاستغناء عنه مهما بدت لنا هذه الطفرة العلمية والتكنولوجية المذهلة”.
وحول الأسباب التي تدفع القراء إلى شراء كتب معينة يوضح: “من وجهة نظري الشخصية، تُعدّ شهرة الكاتب المحفّز الأول والمؤثر الحقيقي على قراراتنا فيما يتعلق بشراء الكتب؛ بالرغم من أن الواقع المثالي يفرض علينا أن نُغلّب المحتوى الإبداعي أكثر فأكثر، إلا أننا لا يمكن أن نتنصّل مما تكنّه مشاعرنا تجاه سلوكنا الحقيقي في عملية الشراء واقتناء الكتب؛ فنحن في النهاية بشر نؤثر ونتأثر بكل ما يحيط بنا، وعليه، فإن الشهرة التي وصل إليها الكاتب لا تأتي من فراغ، بل نتيجة جهد وعلم وعمل وإبداع متواصل وخبرة طويلة جعلت من هذا الكتاب يصل إلى شريحة واسعة من القرّاء في مختلف أنحاء العالم”.

من جهتها، تشير الكاتبة والروائية إشراق النهدي، إلى أن الكتاب الورقي يُشكّل الثقافة والأدب والعلم، وسنوات العمر التي انقضت في طلبه وتحصيل المعرفة، مبينة: “الكتاب مرتبط في أذهاننا بتطوّرنا وتحسين شخصياتنا العلمية، وهو الوقت الذي يُثري طفولتنا، ومن ثم مراحل نضجنا وكسب خبراتنا من خلال القراءة، التي تُعدّ تجربة فريدة مرتبطة بالشعور المادي والملموس للأوراق ورائحة الصفحات، مما يولّد الارتباط العميق بالمحتوى الذي يظل في الذاكرة، وهذا الشعور لن يغادر الإنسانية أبدًا، لأنه يُحرّك فيها حواس كثيرة محبّبة يودّ المرء تجربتها مرارًا وتكرارًا، نعم، سيظل الكتاب الورقي صامدًا مهما تطوّر التحول الرقمي”.
وعن أهم الأسباب التي تؤثر على قرار شراء الكتب تذكر: “كقارئة لديها تجربة في الكتابة، أعتقد أن أهم ما يهمّني هو قلم الكاتب وأسلوبه، خاصةً عندما أكون قد قرأت له مسبقًا، ومن خلال السطور الأولى يمكنني تقييم إن كان الكتاب يستحق قضاء وقت في قراءته، كما أنني أحب مراجعة آراء القرّاء أولاً، ومن ناحية السعر، نلاحظ ارتفاعًا في ثمن الكتب أحيانًا، وهذا يُعتبر عائقًا طبيعيًا أمام انتشار الكاتب، فعلى دور النشر مراعاة هذه النقطة، وغالبًا ما يشدّني الغلاف أولًا، إذ يُعتبر بوابة عبور وعامل جذب ينبغي الاشتغال عليه بحذر، وأعتقد أن جميع هذه العناصر تعمل مجتمعة لتحقيق هدف القراءة والرواج للكتاب والكاتب ودار النشر أيضًا”.

بدورها، تقول الكاتبة وفاء الحنشي، إن الكتاب الورقي لا يزال يحافظ على مكانته رغم التحول الرقمي، مؤكدة: “يمكننا أن نلحظ ذلك في تعدّد طبعات الكتب مهما كان تصنيفها، وزيادة دور النشر سواء كانت عربية أم أجنبية، وزيادة الترجمات، واستمرارية إقامة معارض الكتب عالميًا”.
وحول الأسباب التي تؤثر على قرار الشراء توضح: “سعر الكتاب يُؤثر عليّ في شراء كتاب ما؛ لستُ ممن يسعون وراء شهرة كاتب أو روعة غلاف، وإنما المحتوى، لكن أسعار الكتب المبالغ فيها في أحيان كثيرة وبشكل ملحوظ مؤخرًا تجعلني أفكر كثيرًا في العزوف عن شرائها”.

ولا تبتعد حور درويش، كونها من الزوّار الدائمين لمعرض مسقط الدولي للكتاب، عن الآراء السابقة، مؤكدة: “نعم، لا يزال الكتاب الورقي يحتفظ بمكانة مهمة، خاصة لدى القرّاء التقليديين والمهتمين بالتجربة الحسيّة للقراءة، رغم تطوّر الوسائط الرقمية، لكن من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل مزايا الكتب الرقمية مثل انخفاض التكاليف وسهولة الوصول إليها، والقدرة على حمل مكتبة كاملة في جهاز واحد”.
وتُضيف: “هناك عدة تفاصيل تؤثر على قراري بشراء الكتاب، مثل حجم الكتاب وعدد صفحاته، وآراء وتقييمات القرّاء، مرورًا بالغلاف والعنوان والمحتوى والسعر وشهرة الكاتب أو المؤلف”.

أما الكاتب والقاص عبدالعزيز الرحبي، فيُشير إلى أنه وبالرغم من انتشار الكتاب الإلكتروني، تبقى هناك متعة خاصة للقراءة الورقية لا يُعوّضها الكتاب الإلكتروني، على الرغم من مميزات الأخير من ناحية سهولة تداوله وسعة تخزينه، حيث من الممكن تخزين مكتبة كاملة في جهازك، وكذلك السعر المغري للنسخة الإلكترونية من الكتب.
وفيما يتعلق بالتفاصيل المحفّزة لشراء الكتاب، يقول: “حقيقة، تعلّمت من خلال تجاربي السابقة ألا أقتني أي كتاب إلا بعد قراءة مراجعة أثق في كاتبها، أو على أقل تقدير تصفّحي للكتاب قبل شرائه، ولا أُخفي أن أسعار الكتب المبالغ فيها أحيانًا تكون منفّرة، أما شهرة الكاتب أو تصميم الغلاف، فلا أهتم بها كثيرًا”.

ويُشير يونس العبري إلى أن الكتاب الورقي لا يزال له أهميته كبيرة، لكن قلّ الاعتماد عليه بشكل كبير في ظل وجود بدائل من الوسائل المعرفية الأخرى، مثل الكتب الصوتية، والكتب الإلكترونية، والمحتوى الرقمي، والوثائقيات، وغيرها من أساليب المعرفة الحديثة التي لا يمكن إنكار أنها أخذت جزءًا كبيرًا من سوق الكتب الورقية.
وفيما يخصّ التفاصيل المحفّزة لاقتناء الكتاب، يوضح أن المحتوى هو أهم ما يجذبه، في ظل تنوّع الأفكار والرؤى الفكرية والثقافية والاجتماعية المطروحة، وكلّما جاء الكتاب بأفكار إبداعية جديدة، أصبحت البوصلة تتّجه نحوه بواقعية أكثر.
وتقول هناء السكاكري إن الكتب الورقية لها مكانتها وسحرها الخاص، حتى في ظل التحوّل الرقمي، وبالرغم من أن التكنولوجيا سهّلت الوصول إلى المعرفة، والكتب الإلكترونية والمسموعة توفّر ذلك بشكل مريح وسريع، فإن للكتاب الورقي طابعًا مختلفًا.
وتذكر: “ملمس الورق، ورائحة الكتاب، وتقليب الصفحات، كل هذه الأشياء تمنح إحساسًا حميميًا، بعيدًا عن الشاشة والإضاءة والإزعاج، كما أن القراءة على الورق تعمل على زيادة التركيز، خاصة عندما تقرأ كتابًا ورقيًا، بعيدًا عن الإشعارات والتنبيهات”.
وتتابع قائلة: “أحب الاحتفاظ بالكتب واقتنائها، وأحب الاطلاع عليها، ولا أنسى والدي – رحمه الله – فقد ترك لنا مكتبة صغيرة في بيتنا ما زلنا نحافظ عليها ونفخر بها، فهي بالنسبة لنا إرث ثقافي كما أن القراءة على الورق أفضل بكثير وأريح للعين من الشاشة، خصوصًا لفترات طويلة، وعندما تهدي كتابًا ورقيًا، فإن له وقعًا أعمق من ملف PDF”.
وحول الأسباب التي تدفع القراء لشراء الكتب تقول: “المحتوى هو الأمر الجاذب لي لاقتناء الكتاب، وعليه، أرى أن الفكرة هي أساس اكتشاف أي تجربة تُحدّد حضور الكاتب من عدمه لدى القارئ”.
