محمد بن علي الوهيبي
في أقصى الزمان والمكان حيث تتمازج الأرض بالسماء تحتضن ولاية قريات البحر والساحل والجبال والوديان، تغمر قريات قلبك بالسحر الذي لا ينتهي هي أرضٌ عابقة بكل تفاصيل الحياة الجميلة حيث تختلط فيها ألوان الطبيعة مع صور الذكريات وألوانها في منظرٍ يأسر الروح ولا يُفارقها.
يبدأ سحر قريات من جبالها الشامخة التي تتنفس الهدوء والسكينة.
نتذكر مدخلها القديم و ذاك الطريق الترابي حيث تتناثر أحجار الزمن تحت أقدام الذاكرة الذي يمتد المسار عبره كما خيط رقيق يربط بين الماضي والمستقبل ذاك الطريق الذي تملؤه رائحة التراب المبلل بالمطر الذي يلتف جريانه حول صخور مجلاص ليأخذك في رحلة عبر الزمان.
وتلوح الأشجارالباسقة على جانبيه بأغصانها العتيقة وكأنها تروي حكايا قديمة عن الأجيال التي مرت هنا.
أثناء عبورك في طريق الذكريات لا بد أن يتهادى إلى أسماعك صوت آسر وأخّاذ ينبعث من بين الصخور والشجيرات البرية يحمل في طياته عذوبة لا مثيل لها ليعانق السكون، تتراقص نغماته بين الهدوء والصخب يتردد الصدى في أرجاء المكان، تلك اللحظات هي التي يصدح فيها “الصفرد” بصوته الذي يذهب بك بعيدًا.
ثم تظهر قريات الجميلة في الأفق كحلم يقترب من بين البيوت التي تشرق تحت أشعة الشمس، الطريق نفسه بحجارته القديمة وأتربته المبللة بمياه نهر وادي مجلاص الذي لا ينقطع جريانه لتتجلى هذه المياه كأنها مرآة للذكريات.
تتنفس قريات من طيب هواء البحر الذي يلامس شواطئها بكل حب، هنا تلتقي الأرض بأمواج البحر في تناغمٍ فنيٍّ لا يمكن وصفه إلا من خلال عيون أولئك الذين يعشقون تفاصيلها.
وإذا تذكرنا طويان قريات نستعيد تلك العيون التي تبدو وكأنها أعمق من الأسرار وأصفى من الأحلام تستقر في قلب الأرض، تكتب قصة عشق بين الماء والتراب وبين الأرض التي تمنح الحياة والسماء التي ترويها.
في ذات الوقت الذي كانت فيه مكينة “أبوهندل” اللندنية رمزًا من رموز الماضي الجميل مع كل دورة لها كانت تخرج من جوف الأرض قطرات الماء العذبة بصوتها الذي يطرب الأسماع فتجعل المياه تنساب مثل أحاديث العشاق.
وحينما كانت الأيدي تدير تلك المكينة كانت قلوبنا تهيم بها ومع كل دَوَران لها نتذكر الأيام الخوالي.
كانت تلك المكينة تحتضن الجفاف وتروي الأرض العطشى لتشبع أرواحنا قبل أن تروي الأرض وكأنها تعزف لنا لحنًا رومانسياً.
في قريات كل زهرة كل شجرة تحكي لنا عن الخلود خاصة أشجار الغاف التي تنتشر على أراضيها والتي صمدت أمام أعتى الرياح والأنواء وعوادي الزمن، ومازالت تعيش في هذا الجمال الفتّان.
كما لا يمكن لزائر هذه البلاد الجميلة أن يغفل عن اللمبا أو المانجو تلك الفاكهة السحرية التي لا تتوفر بتلك الجودة النادرة إلا في قريات.
مزارع قريات وبساتينها بكل تفاصيلها الساحرة تحمل أسماءً تلامس القلوب وتروي حكايات عن الأجداد تظل حية في الذاكرة لا يمحوها الزمن لتبقى أصداء تلك الحكايات ترددها الرياح بين أكوام الزرع ونواحي الديار، ولتضفي على المكان جاذبية خاصة بها وتمنح الحياة نبضًا لا ينضب.
قريات هي تلك اللوحة الفنية التي تتنفس الحياة في كل زاوية فلا يمكن للعقل أن يستوعب جمالها إلا في لحظات الصفاء التام حين يغمر هذا المكان الروح والحواس ستكتشف في كل ركن فيها سحرًا يفوق الكلمات.
هي جمال أصيل يتنفسه كل من يعرفها ويغنيها كل من يعشق تفاصيلها التي تجمع بين البحر والجبل والوديان والسهول وأشجارها وبيوتها الوادعة وناسها الطيبين وحكاياتهم الجميلة، تبقى قريات وأماكنها دائمًا في القلب مليئة بالجمال البديع الذي لا ينتهي.