أحمد بن حسن البحراني
تعتبر الحوكمة المؤسسية من أهم الركائز التي تضمن نجاح الشركات واستدامتها، إذ تسهم في تعزيز الشفافية والمسؤولية والمساءلة داخل بيئة الأعمال.
وفي هذا السياق، أصدرت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قرارًا وزاريًا رقم ٥/٢٠٢٥ بإصدار مبادئ حوكمة الشركات التجارية المساهمة المقفلة، والذي يمثل نقلة نوعية في تنظيم هذا النوع من الشركات في سلطنة عمان.
وجاءت هذه المبادئ لتسد الفجوات التي قد تعترض إدارة الشركات المغلقة، خاصة فيما يتعلق بممارسات الإفصاح والشفافية وتشكيل مجالس الإدارة وضبط التعاملات المالية، مما يضمن بيئة أكثر انضباطًا وحماية لحقوق المستثمرين والمساهمين.
ملامح الحوكمة الجديدة
تعتمد المبادئ الجديدة نهجًا شاملاً لتنظيم إدارة الشركات التجارية المساهمة المقفلة، وذلك عبر مجموعة من القواعد والإجراءات التي تحقق العدالة والنزاهة في المعاملات التجارية.
ومن أبرز ما جاءت به هذه المبادئ تحديد التزامات الشركات بتعديل أنظمتها الأساسية لتتوافق مع أحكام الحوكمة الجديدة، مع إلزام الشركات بإعداد تقارير مالية نصف سنوية وسنوية مدققة، مما يعزز مستوى الشفافية والرقابة الداخلية.
كما يبرز دور مجلس الإدارة بوضوح، إذ تم وضع معايير صارمة لاختيار الأعضاء، تشمل الكفاءة والخبرة والاستقلالية، مع التأكيد على ضرورة أن يكون ثلث الأعضاء على الأقل من غير التنفيذيين، لمنع تضارب المصالح وضمان اتخاذ القرارات بشكل موضوعي.
تحديد صلاحيات مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية
تضمنت المبادئ الجديدة أحكامًا دقيقة تتعلق بتوزيع الصلاحيات بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، وذلك بهدف تحقيق التوازن بين الإدارة والرقابة. فقد ألزمت الشركات بتعيين رئيس مجلس إدارة لا يجمع بين منصبه ومنصب الرئيس التنفيذي، كما حددت عدد الأعضاء المستقلين بناءً على حجم أصول الشركة وعدد مساهميها، الأمر الذي يعزز من استقلالية القرارات ويحد من هيمنة فئة معينة على إدارة الشركة. كما حددت المبادئ اختصاصات واضحة لمجلس الإدارة، تشمل وضع الرؤية الاستراتيجية، اعتماد السياسات المالية، مراقبة أداء الإدارة التنفيذية، ومتابعة المخاطر المحتملة التي قد تواجه الشركة.
وفي المقابل، تتحمل الإدارة التنفيذية مسؤولية تنفيذ القرارات الاستراتيجية ومتابعة العمليات التشغيلية بكفاءة، بما يحقق أهداف الشركة ويحفظ مصالح المساهمين.
تعزيز معايير الإفصاح والشفافية
تمثل الشفافية أحد الجوانب الأساسية في مبادئ الحوكمة الجديدة، إذ ألزمت الشركات بالكشف عن جميع المعلومات الجوهرية المتعلقة بأنشطتها المالية والتشغيلية، مما يمنع استغلال المعلومات غير المعلنة في اتخاذ قرارات استثمارية قد تضر بالمساهمين الآخرين.
كما فرضت هذه المبادئ تقديم تقارير دورية مفصلة تشمل قوائم مالية دقيقة، وتوضيح المكافآت الممنوحة للإدارة العليا وأعضاء مجلس الإدارة، إلى جانب الإفصاح عن أي تعاملات تمت مع الأطراف ذات العلاقة، وذلك لمنع أي تجاوزات قد تؤدي إلى الإضرار بالعدالة في السوق.
ضوابط اختيار أعضاء مجلس الإدارة والمستقلين
من الجوانب اللافتة في هذه المبادئ تحديد معايير دقيقة لاختيار أعضاء مجلس الإدارة، حيث تشترط توافر الكفاءة والخبرة والنزاهة، مع التأكيد على ضرورة أن يكون بعض الأعضاء مستقلين لضمان اتخاذ قرارات محايدة تصب في مصلحة الشركة وليس في مصالح شخصية. كما وضعت المبادئ قيودًا على العضو المستقل، بحيث لا يكون له أي ارتباط مالي أو إداري بالشركة قد يؤثر على استقلالية قراراته، وذلك لضمان نزاهة إدارة الشركات المساهمة المقفلة وتحقيق أعلى مستويات الحوكمة المؤسسية.
آليات الرقابة والمسؤولية القانونية
ركزت المبادئ الجديدة على ضرورة تفعيل أدوات الرقابة الداخلية في الشركات لضمان الامتثال للمعايير التنظيمية، حيث ألزمت الشركات بتشكيل لجنة للتدقيق وإدارة المخاطر تضم أعضاء مستقلين، وتكون مسؤولة عن مراجعة الأداء المالي وضبط التجاوزات، مما يساهم في منع أي ممارسات غير قانونية أو تحايل مالي. كما فرضت المبادئ على الشركات تقديم تقارير تدقيق دوري، مع إمكانية تدخل الجهات الرقابية عند رصد أي مخالفات.
تنظيم تعاملات الأطراف ذات العلاقة وحماية صغار المساهمين
من بين القضايا الجوهرية التي عالجتها مبادئ الحوكمة الجديدة هو تنظيم تعاملات الشركات مع الأطراف ذات العلاقة، حيث تم فرض الإفصاح الكامل عن أي تعاملات مع الأشخاص أو الجهات التي لها ارتباط إداري أو مالي بالشركة، وذلك لضمان الشفافية ومنع استغلال النفوذ داخل مجلس الإدارة لتحقيق مكاسب شخصية.
كما وفرت المبادئ حماية لصغار المساهمين من خلال منع أي إجراءات قد تؤثر على حقوقهم بشكل غير عادل، مما يعزز الثقة في بيئة الاستثمار ويساهم في استقطاب رؤوس الأموال الجديدة.
المسؤولية الاجتماعية للشركات
لم تقتصر مبادئ الحوكمة الجديدة على الجوانب المالية والتنظيمية فحسب، بل تطرقت أيضًا إلى أهمية دور الشركات في المسؤولية الاجتماعية. فقد ألزمت الشركات بوضع خطط واستراتيجيات لدعم المجتمع من خلال أنشطة ذات قيمة اقتصادية واجتماعية، مع ضرورة الإفصاح عن أي مبالغ تم إنفاقها في هذا الإطار، مما يرسخ مبدأ التنمية المستدامة داخل الشركات.
الخاتمة
تمثل مبادئ حوكمة الشركات التجارية المساهمة المقفلة خطوة محورية في تطوير بيئة الأعمال في سلطنة عمان، حيث تعزز من الشفافية وتضع أسسًا صلبة للإدارة الرشيدة، وتضمن توزيعًا عادلًا للصلاحيات والمسؤوليات داخل الشركات.
هذه المبادئ، التي جاءت لتواكب المعايير الدولية، تساهم في خلق بيئة استثمارية مستقرة وجاذبة لرؤوس الأموال، مما يعزز من تنافسية السوق العمانية.
ومع دخول هذه الأحكام حيز التنفيذ، ستشهد الشركات العمانية المساهمة المقفلة نقلة نوعية في أساليب إدارتها، مما يرسخ ثقافة الحوكمة السليمة ويضمن تحقيق أهدافها الاستراتيجية بكفاءة وفعالية.