خاص ـ شؤون عُمانية
لشهر رمضان الكثير من الذكريات لدى جميع المسلمين، فهو شهر تتجدّد فيه الروابط الاجتماعية، وتتعمّق فيه مشاعر التراحم والترابط والألفة بين الناس، وتبقى الذكريات محفورة في وجدان المسلمين بدءًا من انتظار موعد الإفطار، واجتماع العائلة حول المائدة، مرورًا بأجواء التراويح وليالي رمضان المفعمة بالروحانية.
ذكريات رمضانية
ويقول علي بن عبدالله الراسبي: “في البداية، نقول لكل المسلمين في هذه الأرض الطيبة المباركة: مبارك عليكم هذا الشهر الفضيل. أما عن الذكريات، فهي دائمًا رائعة وجميلة، وتحمل عبقًا خاصًا، سواء على المستوى العائلي أو بين الأصدقاء. منذ الطفولة، كنا ننتظر شهر رمضان بشوق، ورغم أننا لم نكن نصوم الشهر بالكامل، إلا أن محاولات الصيام كانت ممتعة، وكان من يتمكّن من الصيام ليومٍ كامل يشعر بأنه حقّق إنجازًا. ناهيك عن ليالي السهر مع الأصدقاء، والأكلات التي ترتبط بهذا الشهر، فكل تفاصيل رمضان كانت رائعة.”
ويضيف: “لا تزال الأجواء جميلة حتى اليوم، رغم بعض التغيرات التي أحدثتها الثورة الرقمية. في الماضي، كان الجميع يجتمع لمتابعة مسلسل رمضاني أو حضور الدورات الرمضانية التي تُقام في القرى. أما الآن، فقد اتسع الفضاء أكثر بفعل الإنترنت. ومع ذلك، يظل لرمضان دور كبير في تعزيز العلاقات، من خلال تبادل الزيارات بين الأهل والجيران، وأشير هنا إلى عادة رائعة في المجتمع العُماني، وهي تبادل الأكلات الرمضانية، التي تعزز التواصل المجتمعي الجميل.”
استعدادات رمضان
وفي السياق ذاته، يقول خلفان بن سالم الصلتي: ما إن يحلّ شهر شعبان، بل حتى الأشهر التي تسبقه، حتى نبدأ في تذكّر رمضان واقترابه، كيف لا، وهو شهر يحمل معه روحانية خاصة وأجواء إيمانية مميزة. ويستعد الأهالي لاستقباله قبل دخوله بفترة، حيث يُحضّرون المواد الغذائية، ويتهيّأون ماديًا وروحيًا لاستقباله كما يليق بضيفٍ عزيز لا يزورنا إلا مرة في العام.”
ويوضح: “نظل نترقب حلول الشهر الفضيل بشوق، وعند غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان، تجتمع العائلة أمام شاشة التلفاز لمتابعة بيان لجنة استطلاع هلال رمضان. وما إن يُعلن ثبوت الرؤية، حتى تعمّ الفرحة والسرور وجوه الجميع، ونبدأ الاستعداد لأداء صلاة التراويح في المسجد. وبعد الصلاة، يتبادل الأهالي التهاني بحلول الشهر الكريم.”
ويتابع: “لرمضان عادات خاصة تعزز أواصر المحبة والتكافل الاجتماعي، ومن أبرزها تبادل طعام الإفطار، حيث ترى الأطفال قبيل المغرب يحملون أصنافًا مختلفة من الطعام لتوزيعها على الجيران. كما تجتمع الأسرة على مائدة الإفطار، سواءً على طعامٍ أُعدّ في المنزل أو مما تم تبادله مع الأقارب والجيران. وتظل القرى أكثر تمسّكًا بهذه العادات، رغم تأثير الحياة العصرية، حيث يبقى رمضان فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية والعبادات”.
التجربة الأولى
أما صالح بن محمد السيابي، فيتحدث عن تجربته الأولى مع الصيام قائلًا: “كانت تجربتي الأولى مع الصيام مميزة، حيث كنت حريصًا على الالتزام بالمفهوم الدقيق للصيام، والمتمثل في الامتناع عن الأكل والشرب وكافة المفطرات. في البداية، كنت أصوم يومًا وأفطر يومًا، حتى اعتاد جسمي على الصيام، ثم تمكنت بعد ذلك من صيام الشهر كاملًا. كان هناك نوع من المنافسة بيني وبين أصدقائي وأقاربي لمعرفة من سيتمكن من الصيام أكثر”.
ويذكر: “لا تخلو التجربة الأولى من الذكريات الطريفة، مثل نسياني أني صائم وشربي الماء دون قصد. قديمًا، كنا نحرص على النوم مبكرًا للاستيقاظ على وجبة السحور، أما الآن، فمعظم الناس يواصلون السهر حتى وقت السحور، ويقضون الليل في الألعاب والرياضات المختلفة”.
ويشير إلى أن لشهر رمضان تأثيرًا كبيرًا في توثيق العلاقات الأسرية وصلة الأرحام في المجتمع العُماني، لا سيما من خلال التجمعات الأسرية وتبادل الوجبات بين الجيران، إذ يتنافس الناس في عمل الخير، من تقديم الصدقات إلى إفطار الصائمين”.
فرص الإحسان
ويقول طلال البلوشي في السياق ذاته: “يعد شهر رمضان من أعظم شهور السنة، لما فيه من الثواب الجزيل. يسعى الجميع خلاله إلى الإكثار من العبادات، وصلة الأرحام، والتصدق على الفقراء والمحتاجين. أذكر عندما كنا صغارًا، كنا نتحدى أنفسنا لإكمال الصيام حتى موعد الإفطار، وأتذكر أنني شعرت بإنجازٍ عظيم حين تمكنت من الصيام لأول مرة بشكلٍ كامل في سن الثانية عشرة، رغم أن رمضان كان حينها في فصل الصيف الحار”.
ويبين: “على المستوى العائلي، كان الاجتماع حول مائدة الإفطار لحظة لا تُقدّر بثمن، ثم الاستعداد لصلاة التراويح، التي تمثل لي شخصيًا راحة نفسية لا أستطيع وصفها، حيث أشعر فيها بالقرب من الله”.
ويضيف: “رمضان فرصة عظيمة لمراجعة النفس وتهذيبها، من خلال الصبر والشعور بالامتنان لله. كما أنه سانحة لمراقبة أفعالنا وكبح جماح أهوائنا، ومع اقتراب منتصف الشهر الفضيل، يبدأ الاستعداد لاستقبال العيد السعيد، حيث يرتاد الناس الأسواق الشعبية لشراء مستلزمات العيد، مما يُضفي على الأجواء متعةً خاصة. فرحة رمضان لا تنقطع، بل تمتد حتى أيام العيد”
ويؤكد: “لرمضان طابعٌ خاص، حيث يسعى الإنسان إلى زيارة أهله وأحبائه، والتعرف على احتياجات الآخرين، والتصدق لمساعدتهم. ولا تزال عادات الإفطار الجماعي حاضرة، وإن بدأت تقلّ شيئًا فشيئًا. لكن، رغم ذلك، يبقى هناك سعيٌ حثيث من قبل المجتمع لتعزيز التكافل الاجتماعي، عبر مساعدة المحتاجين والفقراء بطرق مختلفة”.