وكالات – شؤون عُمانية
كشفت دراسة حديثة نشرتها دورية “نيتشر: ميديسن” أن اختبار الكشف عن الحمض النووي الدوراني للورم يمكن أن يتنبأ بنتائج علاج سرطان الرئة، ويساهم أيضاً في الكشف المبكر عن أنواع مختلفة من السرطان قبل ظهور الأعراض.
ويستخدم اختبار الحمض النووي الدوراني للورم (ctDNA) للكشف عن أجزاء صغيرة من الحمض النووي التي يفرزها الورم السرطاني في الدم.
ويُعد هذا الاختبار أداة واعدة في مجال الطب السريري والتشخيص، إذ يمكن استخدامه لتحديد وجود الخلايا السرطانية، أو لتتبع تطور المرض خلال مراحل العلاج.
عند نمو الورم السرطاني في الجسم، ربما يتم تحرير أجزاء من الحمض النووي الخاص بالورم إلى الدورة الدموية، وهذه الأجزاء تكون معروفة باسم الحمض النووي الدوراني للورم، والذي يعكس التغيرات الجينية في الورم.
ويقول الباحثون إن تحليل الحمض الدوراني يمكن أن يقدم معلومات دقيقة عن نوع الورم، ومدى تقدمه، واستجابته للعلاج.
وصمم الباحثون في الدراسة منصة تسمى NeXT Personal، يمكنها اكتشاف كميات صغيرة جداً تصل إلى جزء واحد في المليون، من الحمض النووي للورم الدوراني، كما يمكنه الكشف عن إشارات في الدم تكشف عن خلايا السرطان بعد العلاج، والتي ربما تشير إلى احتمال الانتكاس.
وعادة ما يعالج سرطان الرئة في المرحلة المبكرة، عن طريق إزالة الورم من خلال الجراحة والعلاج الكيميائي أو العلاج المناعي، اعتماداً على مرحلة الورم، والتي تهدف إلى تحقيق أعلى فرصة للشفاء.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة، جيمس بلاك، زميل ما بعد الدكتوراه في معهد فرانسيس كريك البريطاني: “أظهرنا أن وجود أو غياب الحمض النووي للورم في الدم يمكن أن يتنبأ بشكل قوي بتوقعات المرض، يمكن لاختبارات الحمض النووي للورم الدوراني، خاصة باستخدام المنصات فائقة الحساسية، أن تساعد الأطباء في اتخاذ قرارات علاج أكثر استنارة وتعطي المرضى فكرة أكثر دقة عن مدى تقدم مرضهم”.
الكشف المبكر عن السرطان
ويقول الباحثون إن ذلك الاختبار يمكن استخدامه للكشف عن وجود السرطان في مراحل مبكرة، حتى عندما لا تظهر الأورام بشكل واضح عبر الفحوص التقليدية مثل الأشعة السينية أو المقطعية؛ كما يمكن قياس مستويات الحمض النووي الدوراني للورم قبل وبعد العلاج لتقييم مدى فعاليته؛ فإذا كانت مستويات الحمض منخفضة بعد العلاج، فربما يشير ذلك إلى استجابة إيجابية.
ويمكن أن يُستخدم الاختبار لمراقبة الخلايا السرطانية التي ربما تعاود الظهور بعد العلاج، إذ يظهر الحمض النووي للورم في الدم قبل أن يُكتشف المرض مجدداً عبر التصوير أو الفحوص الأخرى، وهو أمر يساهم في تحسين دقة علاج المرضى عن طريق تحديد الطفرات الجينية الدقيقة في الورم، ما يساعد الأطباء في اختيار العلاج الأنسب لكل حالة على حدة.
وبحسب الدراسة؛ يمكن أن يساعد الاختبار الجديد في التحرك نحو عصر الطب الشخصي، ما يضمن للأطباء تقديم العلاج المناسب للأشخاص المناسبين من خلال تصنيفهم بدقة في مجموعات بناءً على توقعات ما يفعله المرض بهم.
كما يمكن أن يساعد الاختبار في تحسين جودة الحياة والبقاء على قيد الحياة، من خلال ضمان قدرة الأطباء على تقديم كل ما لديهم للأشخاص الذين من المرجح أن يعود مرضهم بعد العلاج، مع تجنيب الأشخاص العلاج الصعب الذي قد لا يحتاجون إليه إذا كان مرضهم أقل خطورة.
فأر تجارب داخل مختبر في زيورخ بسويسرا. 7 فبراير 2022 – Reuters
فأر تجارب داخل مختبر في زيورخ بسويسرا. 7 فبراير 2022 – Reuters
القاهرة-
محمد منصور
منذ عقود طويلة، اعتمد العلماء على القوارض كنماذج أساسية في الأبحاث الطبية لتطوير علاجات لأمراض معقدة، بما في ذلك السرطان، لكن دراسة حديثة نُشرت في دورية “ساينس أدفانسس” كشفت عن قصور كبير بفاعلية استخدام هذه الحيوانات بالتجارب، خاصة عند دراسة بروتين يسمى “PD-1″، وهو محور رئيسي في العلاجات المناعية.
وأشارت الدراسة إلى أن الفئران تتمتع بنسخة أضعف من هذا البروتين مقارنة بالبشر، ما يثير تساؤلات حول جدوى استخدام القوارض والحيوانات من غير الرئيسيات كنماذج موثوقة.
تفتح الدراسة الباب أمام مراجعة شاملة للنهج المتبع في التجارب الطبية، والدعوة إلى تطوير بدائل أكثر دقة تلائم البيولوجيا البشرية، بحسب بحث أجراه فريق من الباحثين بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو بالتعاون مع الأكاديمية الصينية للعلوم.
والبروتين، المعروف باسم “برنامج موت الخلية 1″، اكتُشف في التسعينيات، وكان نقطة تحول في علاجات السرطان، إذ يعمل كبوابة تمنع الخلايا المناعية من مهاجمة خلايا الجسم.
وبعد اكتشاف بروتين “PD-1″، الذي استحق جائزة نوبل عام 2018، طوّر الباحثون أدوية مبتكرة تُعطِّل وظيفة هذا البروتين.
وهذه الأدوية، المعروفة باسم مثبطات نقاط التفتيش المناعية، تُحفِّز الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية، ورغم النجاح الكبير لهذا العلاج في النماذج الحيوانية، إلا أن هذه العلاجات فعَّالة فقط مع نسبة صغيرة من مرضى السرطان، مما دفع العلماء إلى البحث عن فهم أعمق لطبيعة البروتين.
وكشف العلماء عن أن بروتين”PD-1″في الفئران أضعف بكثير مقارنة بنظيره البشري؛ وقد استخدم الباحثون تحليلاً بيوكيميائياً ونماذج حيوانية، بجانب خارطة تطورية تتبعت تطور البروتين عبر ملايين السنين.
وذلك البروتين هو أحد أهم المستقبلات الموجود على سطح الخلايا المناعية، مثل الخلايا التائية ويعمل كـ “نقطة تفتيش” تنظيمية للجهاز المناعي؛ إذ يمنع الاستجابة المناعية المفرطة التي قد تُسبب أضراراً للخلايا السليمة في الجسم عن طريق إيقاف نشاط الخلايا التائية عندما يتفاعل مع جزيئات معينة تُعرف باسم “PD-L1″، و”PD-L2″، الموجودة على سطح بعض الخلايا.
العلاجات المناعية الحديثة
وتستغل العلاجات المناعية الحديثة هذه النقاط التنظيمية لتحفيز الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية، فعندما يتم منع البروتين “PD-1” من التفاعل مع جزيئات “PD-L1″، أو “PD-L2″، تبقى الخلايا التائية نشطة وغير مقيدة، مما يؤدي إلى تعزيز قدرة الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها بفعالية.
وتُعد هذه الآلية جوهر العديد من العلاجات المناعية الحديثة، فأدوية مثل “نيفولوماب”، و”بمبروليزوماب” تُعد من أبرز العلاجات التي تستهدف “PD-1″، وقد أثبتت هذه الأدوية فعاليتها في علاج أنواع متعددة من السرطان، بما في ذلك سرطان الرئة، والميلانوما، وسرطان الكلى، مما جعلها أدوات حيوية في مكافحة السرطان.
ورغم النجاحات الكبيرة التي حققتها هذه العلاجات خاصة في النماذج قبل السريرية -كاستخدام القوارض في التجارب- إلا أنها تواجه تحديات عديدة، من ضمنها الاستجابة المحدودة إذ لا يستجيب سوى عدد صغير من المرضى للعلاجات المناعية المستهدفة لـ “PD-1″، مما يحد من فعاليتها علاوة على آثارها الجانبية الكبيرة، والتي قد تسبب ردود فعل مناعية مفرطة لدى بعض المرضى، إذ يهاجم الجهاز المناعي الأنسجة السليمة.
وبحسب المؤلف المشارك في الدراسة “إنفو هوي” أستاذ مشارك في قسم البيولوجيا الخلوية بجامعة كاليفورنيا فإن الدراسة الجديدة تكشف جزءاً من سبب تباين نتائج العلاج بين النماذج الحيوانية غير الرئيسية، والبشر بعد أن كشفت عن “خصائص غير متوقعة وفريدة من نوعها لبروتين PD-1 بين الأنواع”.
علاجات السرطان
وأوضحت الدراسة أن الفئران تفتقر إلى سلسلة محددة من الأحماض الأمينية، تُعرف باسم “الموتيف”، والتي توجد في معظم الثدييات، بما في ذلك البشر، وهذا يجعل النسخة الفأرية من البروتين أضعف بشكل فريد، وللتأكد من تأثير هذه الاختلافات، قام الباحثون بإجراء تجارب تضمنت استبدال بروتين “PD-1” الفأري بنسخته البشرية.
وأظهرت النتائج أن هذه العملية عطَّلت قدرة الخلايا المناعية (الخلايا التائية) على محاربة الأورام، وقال المؤلف المشارك في الدراسة “جاك بوي”: “هذا الاكتشاف يُظهر الحاجة لفهم أعمق للنماذج الحيوانية المستخدمة في تطوير الأدوية”.
ولشرح الاختلافات التطورية، تعاون فريق البحث مع الأكاديمية الصينية للعلوم، وجدوا أن نشاط “PD-1” لدى أسلاف الفئران شهد تراجعاً كبيراً قبل 66 مليون عام، في أعقاب انقراض الديناصورات.
ويُعتقد أن هذا الضعف ربما كان نتيجة تكيفات بيئية لمواجهة مسببات الأمراض الخاصة بالقوارض “فالأسلاف الذين نجوا من انقراض العصر الطباشيري ربما شهدوا تغيرات في منظومة مستقبلات المناعة نتيجة التحديات البيئية الجديدة” على حد ما يقول “هوي”.
وتفتح هذه النتائج آفاقاً جديدة لتطوير نماذج حيوية أكثر دقة لدراسة بروتين “PD-1″، كما ستُجرى دراسات مستقبلية لفهم تأثير “PD-1″، على الخلايا التائية في سياق بشري لمعالجة أنواع مختلفة من الأورام.
ويعيد اكتشاف الباحثين تشكيل فهمنا لبروتين “PD-1″، واستخدامه في علاجات السرطان، إذ تؤكد النتائج أهمية مراجعة النماذج الحيوانية المستخدمة في الأبحاث لتطوير أدوية أكثر فعالية للبشر؛ كما تمهِّد الطريق لتحسين العلاجات المناعية، مما يُعزز الأمل لمرضى السرطان في المستقبل.