أحمد بن حمد الوهيبي
على الرغم من أن معدلات التدخين في سلطنة عُمان تُعد منخفضة نسبيًا مقارنة بمعظم دول المنطقة، إلا أن التدخين لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا للصحة العامة، خاصة بين الرجال، حيث يُقدر أن نحو 15٪ من الذكور البالغين في السلطنة مدخنون، بينما تبلغ نسبة التدخين بين النساء حوالي 1٪ فقط، وهي نسبة ضئيلة بالمقارنة مع الدول المجاورة.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى ارتفاع معدلات التدخين بين الشباب، خاصة بين المراهقين، مما يثير القلق بشأن تداعيات هذه الظاهرة في المستقبل.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن حوالي 7-10٪ من المراهقين الذكور و1-2٪ من الفتيات المراهقات في عُمان يدخنون بانتظام، ويعود هذا الارتفاع في معدلات التدخين إلى تأثير استراتيجيات تسويق التبغ العالمية، وزيادة انتشار السجائر الإلكترونية، التي تستهدف الشباب بشكل خاص من خلال وسائل تسويقية مبتكرة وجذابة.
ويشهد تدخين السجائر الإلكترونية تزايدًا ملحوظًا، مما يشكل تحديًا جديدًا يواجه السلطات الصحية في السلطنة.
ويعد تدخين السجائر الشكل الأكثر شيوعًا لاستخدام التبغ في عُمان، إلا أن هناك زيادة أيضًا في تدخين الشيشة، خصوصًا في المقاهي والأماكن العامة، وعلى الرغم من الاعتقاد بأن السجائر الإلكترونية أقل ضررًا من السجائر التقليدية، إلا أن استخدامها المتزايد بين الشباب يثير قلقًا لدى الجهات المعنية بالصحة العامة.
ولمواجهة هذه التحديات، أطلقت وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عدة مبادرات لمكافحة التدخين، تشمل حملات توعوية تثقيفية حول مخاطره، وبرامج مخصصة لمساعدة المدخنين في الإقلاع عن التدخين من خلال تقديم الدعم والمشورة، كما أن عُمان عضو في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ، مما يلزمها بتطبيق سياسات صارمة للحد من استهلاك التبغ.
ويعد التدخين من الأسباب الرئيسية للأمراض غير المعدية في عُمان، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز التنفسي، وأنواع السرطان المختلفة، ومع تزايد معدلات التدخين بين الشباب، يُتوقع أن تزداد هذه الأعباء الصحية في المستقبل، مما يزيد الضغط على نظام الرعاية الصحية في البلاد.
من ناحية أخرى، هناك تحديات إضافية تتعلق بارتفاع أسعار علاجات استبدال النيكوتين (NRTs) في عُمان، حيث تُعامل كمنتجات تبغ، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعارها.
وعلى سبيل المثال، تُباع علكة النيكوتين بحوالي 9 ريالات عمانية، مقارنةً بثلاثة ريالات في الدول المجاورة، وتصل أسعار لصقات النيكوتين إلى 27 ريالًا عمانيًا مقارنةً بـ 11 ريالًا في تلك الدول، وهذا الارتفاع الكبير يشكل عائقًا أمام الأفراد الراغبين في الإقلاع عن التدخين، ويقلل من فاعلية برامج الإقلاع عن التدخين ويزيد الضغط على النظام الصحي.
إن علاجات استبدال النيكوتين خضعت للضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة، رغم أن الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية في سلطنة عمان معفاة من ضريبة القيمة المضافة بهدف دعم الرعاية الصحية وتوفير الأدوية بأسعار معقولة، وهنا يطرح التساؤل حول ضرورة إعادة النظر في تصنيف هذه العلاجات كمنتجات صحية تُعفى من الضرائب، لتشجيع الناس على تبني عادات صحية والإقلاع عن التدخين.
وتعكس قصة صبي يبلغ من العمر 16 عامًا تأثير هذه السياسات؛ حيث حاول والده شراء علكة النيكوتين لدعمه في الإقلاع عن التدخين الإلكتروني، لكنه وجد أن الأسعار مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالدول المجاورة، ومثل هذه السياسات قد تثني الأفراد عن استخدام بدائل التبغ، وتزيد من معدلات الإدمان بين الشباب، مما يعقّد الجهود المبذولة للحد من انتشار التدخين.
ورغم أن السلطنة حققت تقدمًا ملموسًا في مكافحة التدخين من خلال المبادرات الحكومية والتعاون الدولي، إلا أن تصنيف علاجات استبدال النيكوتين كمنتجات تبغ ورفع أسعارها قد يعيق هذه الجهود، ومن الضروري مراجعة السياسات الضريبة ذات الصلة وإعادة تصنيف هذه العلاجات، لجعلها في متناول الفئات الراغبة في الإقلاع عن التدخين، وخاصة الشباب.
إن توفير بدائل النيكوتين بأسعار معقولة، إلى جانب حملات التوعية والدعم المستمر، سيكون له أثر كبير في تشجيع المدخنين على اتخاذ خطوات إيجابية لتحسين صحتهم.
ومن خلال تبني استراتيجية شاملة تشمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، يمكن لسلطنة عُمان مواجهة هذه التحديات والحد من انتشار التدخين بين الشباب، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر صحة ونظام صحي أكثر استدامة.