زينه بنت محمد الراشدية
تعد التربية الصالحة بمثابة مجموعة القيم والمبادئ، التي يشب الفرد على أساسها، في ضوء التعاليم القويمة للدين الإسلامي الحنيف، فالتربية الصالحة نبراس يضيء طريق العباد، ويضمن إليهم حياة كريمة، ويهديهم إلى الطريق المستقيم، لأن التربية في أساسها مبنية على الأخلاق الفاضلة، واتباع النهج السليم، بما يضمن للإنسان أن يسعد بحياته، ويستمتع بها، في إطار يرضي الله ورسوله، كما يضمن أيضًا رضا الله عن الفرد في الدنيا، وفي الآخرة.
يقول رب العزة – سبحانه وتعالى – في الآية الرابعة والسبعين من سورة الفرقان: ” وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا “.
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» (رواه البخاري ومسلم).
قال ابنُ القيِّم رحمه الله: (إِنَّ الله سُبْحَانَهُ يَسْأَل الوَالِدَ عَن وَلَدِه يَوْمَ الْقِيَامَة قبل أَن يسْأَلَ الوَلَدَ عَن وَالِده؛ فإنه كَمَا أَنَّ للْأَب على ابنه حَقًّا، فللابن على أَبِيه حَقٌّ… فَمن أهْمَلَ تَعْلِيمَ وَلَده مَا يَنْفَعُهُ، وَتَرَكَه سُدًى؛ فقد أَسَاءَ إِلَيْهِ غَايَةَ الإِسَاءَة. وَأكْثَرُ الأَوْلَادِ إِنَّمَا جَاءَ فسادُهم من قِبَلِ الآبَاء وإهمالِهم لَهُم، وَتَرْكِ تعليمِهم فَرَائِضَ الدِّينِ وسُنَنَه، فأضاعُوهُمْ صِغَارًا، فَلم يَنْتَفِعوا بِأَنْفسِهِم، وَلم يَنْفَعوا آبَاءَهُم كِبارًا، كَمَا عَاتَبَ بَعضَهم وَلَدُه على العقوق؛ فَقَالَ: “يَا أَبَتِ! إِنَّك عَقَقْتَنِي صَغِيرًا فَعَقَقْتُكَ كَبِيرًا، وأضَعْتَنِي وَلِيدًا فأَضَعْتُكَ شَيْخًا”).
وأسلافُنا الصَّالِحون هم الأُسْوَةُ الحَسَنَةُ، والقدوة في تربيتهم لأولادهم، وتَنْشِئَتِهم النَّشْأَةَ الصالحة؛ بترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم، وتعليمِ أُمورِ الدِّين، وتصحيحِ العبادات عندهم، وخَيرُ مِثالٍ لذلك؛ قول ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلاَمُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ…» (صحيح – رواه الترمذي).
فمَنْ مِنَ الآباء يُرَسِّخ في نَفْسِ ابنِه أمثالَ تلك المعاني العظمية؟ بل إنَّ منهم مَنْ إذا عُلِّمَ ابنُه أمورَ الحلال والحرام؛ قال: “لا تُعَقِّدوه، فإنه صغير، ولا يَحْتَمِلُ هذا!”. وكَمْ يحكي لنا التاريخُ صُوَرًا من حياة أولادٍ، أحْسَنَ أهلُوهم تربيتَهم فأفلحوا، وصاروا رُموزًا على جَبِينِ التاريخ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: (خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما إِلَى مَكَّةَ، فَعرَّسْنَا، فَانحدَرَ عَلَيْنَا رَاعٍ مِنْ جَبلٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَرَاعٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِعْنِي شَاةً مِنَ الغَنَمِ. قَالَ: إِنِّي مَمْلُوْكٌ. قَالَ: قُلْ لِسَيِّدِكَ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ. قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَيْنَ اللهُ! ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ اشْترَاهُ بَعْدُ، فَأَعتَقَهُ).
أيها الآباء الكرام.. إنَّ أولادَكم الصالحين هم الثَّروَةُ الباقية؛ فإنَّ اللهَ تعالى يرفع الآباءَ والأُمَّهاتِ – بعدَ موتِهم – في درجاتِ النَّعيمِ بِدَعوات أولادِهم؛ ذكورًا كانوا أو إناثًا، فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (صحيح – رواه الترمذي).
ومِنْ أَهَمِّ الأُمورِ التي تُعِينُ على صلاح الأولاد: أنْ يَجْلِسَ وَلِيُّ الأمْرِ معهم يستمع إليهم، ويُكَلِّمهم ويتقرَّب إليهم، ويُرشِدهم إلى ما فيه الخير، ويُحَذِّرهم من الشر، ويُشْعِرهم بِعَطْفِه واهتمامه، ويفتح لهم صَدْرَه، أمَّا أنْ يَنْشَغِلَ عن أولاده فلا يراهم، ولا يرونه فهذا خطأٌ كبير. ومِنْ أهَمِّ الأُمور التي تُعِيُن على تربية الأولاد: سؤالُ اللهِ الذُّريةَ الصالحة؛ كما سأَلَها إبراهيُم عليه السلام فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، وكما سأَلَها زكريا عليه السلام فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]. ومن صِفات عِبادِ الرَّحمنِ أنهم يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
ومن الأهمية بمكان: أن يكون الوالدان قُدْوَةً صالِحَةً لأولادهم في الصِّدْقِ والاستقامةِ وجَمِيعِ شؤونهم، وأنْ يَعْمَلاَ بما يَقُولانه. ومن الأمور المُسْتَحْسَنَةِ في ذلك: أنْ يُصَلِّيا أمام الأولاد؛ وهذا مِنَ الحِكَمِ التي شُرِعَتْ لأجلها صلاةُ النافلة في البيت ، وأن يكونا ملمين بأمور الدين الحنيف ويحرص على غرس التربيه الاسلاميه منذ نعومه أظفارهم ولا يتهاون في الأمور الواجبه سواء كان طفلا أو بالغاً ،حيث أنه بعض النتائج التي قد نراها اليوم بالتهاون بالصلاة لدى البالغين والشباب سببه التهاون في الأمور الواجبه لدى البالغ وعدم تعويد الشخص منذ طفولته وتحبيبه بالأعمال الصالحه والواجبه في نفسه ، والتهاون لدى الوالدين والمجتمع في بعض الأمور والفرائض الواجبه ليصبح الذنب معتادا وعادياً ،وأن يكونا الوالدين أكثر وعيا وتعليما بأمور الدينيه والواجبة حتى أن كانا لم يتلاقى التعليم ،فاليوم لا مجال للجهل والتحجج أو التكاسل بالتعلم أو غرس الجهل في نفوسك أطفالكم،
وينبغي الحِرْصُ على استعمال العِبارات المَقْبولةِ الطَّيِّبةِ مع الأولاد، والبُعد عن العبارات المَرْذولَةِ السَّيِّئَةِ، وكذلك الحِرْصُ على تعليمهم كتابَ الله تعالى، وإبعادِهم عن المُنكرات، وحمايتهم منها، والجلوس معهم في المنزل، ومؤانستهم، وتسليتهم، وتعليمهم ما يحتاجون إليه؛ لأنَّ اقتراب الولد من أبَوَيهِ في غاية الأهمية، وله آثاره الواضحة، في استقرار أحوال الأولاد، وهدوءِ نفوسهم، واستقامَةِ طِباعِهم. وعدمُ استعجالِ النتائج في التربية؛ بل على الوالدين الصَّبرُ والمُصابرة، والاستمرارُ في التربية الصالحة، والدُّعاءُ والحرص عليه؛ فلَرُبَّما استجاب الولَدُ بَعْدَ حِينٍ، وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ.
ولا بد من استشارةِ ذَوِي الخِبْرة التربوية؛ من العلماءِ والدُّعاةِ والمُعَلِّمين والمُرَبِّين، مِمَّنْ يَعْرِفُ أحولَ الشَّباب، ويَتَفَهَّمُ أوضاعَهم، وما يُحِيطُ بهم، وما يدور في أذهانِهم، فهو أَمْرٌ يٌعِينُ على تربية الأولاد. وأن يتثقف باستمرار كل من الوالدين بالأمور ما له وما عليه وما هي الحدود التي يجب أن يفهما كلا من الطرفين .ومن الأمور المُهِمَّة: أنْ يَتَعَرَّفَ الوالدان على أصدقاءِ أولادهم، فالطُّيور على أشْكالِها تَقَعُ. وخَيرٌ منه قَولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» حسن – رواه أبو داود. فمَنْ صاحَبَ الأخيارَ كان منهم، ومَنْ صاحَبَ الأشرارَ صار منهم. فعلينا أنْ نُشَجِّعَ أولادَنا على مُصاحبة الأخيار، ونُحَذِّرَهم من رُفْقَةِ السُّوء، فالجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيرُ مُعِينٍ لَكَ على تربية ابْنِكَ؛ لأنه لا يأمره إلاَّ بما فيه خَير، ولا يَنْهاه إلاَّ عن شَرٍّ.
وتُعدّ الأسرة الأساس في تربية الأبناء، فالدور التربوي للأسرة له تأثير إيجابي أو سلبي على الأبناء ومستقبلهم، فالطفل يولد على الفطرة، وأبواه هما المسؤولان عن توجيهه للصح أو الخطأ، وهما الأساس في كونه شخصًا إيجابيًا ذا فائدة للمجتمع أو سلبيًا دونما فائدة.
حيث تؤدي التربية السليمة للأبناء إلى تهيئتهم لحياة فاضلة وكريمة، ومن خلالها يصل الفرد روحانيًا وجسديًا للكمال الإنساني، كما سيتم ذكر أبرز الآثار للتربية الإسلامية على مستقبل الأبناء على النحو الآتي:
١_ غرس مراقبة الله تعالى في قلوبهم إن في التربية الإسلامية السليمة تربية للفرد على مراقبة الله تعالى له في سائر الأقوال والأعمال والأحوال، فتصبح المراقبة الإلهية ملازمة له في كل زمان ومكان، فينشأ من ذلك جيلًا متعبدًا لله تعالى معتزًا بدينة مفتخرًا به.
٢-كذلك يستطيع الفرد في المستقبل تكوين مجتمع إسلامي قويم محافظًا على عقيدة الراسخة وقيمة الدينية السليمة، بعيدًا عن الميوعة والإلحاد والحقد وغيره. امتثالًا لأمر رسولنا الكريم-صلى الله عليه وسلم- حيث سأل جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإحسانِ، فقال 🙁 أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك)
ومن هنا تتحقق قيمة مراقبة الله تعالى في قلوب الأبناء.
٣-الحفاظ على الفطرة وإعلاء الغرائز الفطرية تقوم التربية السليمة على تقوم الفرد بحيث يتغلب على الغرائز الشهوانية وضبطها بالقيود الدينية والأخلاقية وجميع القواعد الصحية .
٣-تحقيق التوافق الذاتي والاجتماعي مع الغير ينشأ الفرد على الاهتمام بجميع الجوانب في حياته، الروحي، أو العقلي، أو الجسمي أو الاجتماعي، فيحقق التوازن بينها جميعًا دون إهمال جانبًا على حساب الآخر، في إطار ما تسمح له العقيدة والقيم الإسلامية بذلك
٤-القدرة على الجمع بين المحافظة والتجدد يقوم الفرد على تحقيق سعية في الحياة الدنيا بالتثبت بأصول عقيدته والمحافظة على المبادئ السماوية والتقاليد الراسخة، فتجده يرفض التعصب ويتجاوز الانغلاق ويسير على أساس الإسلام في التمايز وهو التقوى؛ امتثالًا لأمر نبيه-صلى الله عليه وسلم-(لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى)
٥-كما ويدعو للمطالبة بالتجدد وفاءًا لمطالب العصر المتغيرة بشرط الالتزام بالأصول العامة وعدم التلاعب بها بما يتناسب أهواءه أو مقتضيات عصره، وبذلك يكون قد وفق بين محافظته على دينه وعقيدته الراسخه وبين مقتضيات العصر الذي يعيش به.