سامر بن محمد بن الياس البلوشي
ilyasabcd@gmail.com
على مدى السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الدولية تحولاً في موازين القوى الاقتصادية، حيث أصبحت الدول النامية تلعب دورًا متزايد الأهمية في الاقتصاد العالمي.
ومن بين تلك القوى الصاعدة، تبرز مجموعة البريكس (BRICS) – التي تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا – كواحدة من أكثر التكتلات الاقتصادية تأثيرًا في العالم، وفي هذا السياق، يثار السؤال حول أهمية انضمام دول أخرى، مثل سلطنة عمان، إلى هذه المجموعة.
وتعتبر مجموعة البريكس واحدة من أهم التكتلات الاقتصادية على المستوى العالمي، إذ تمثل هذه الدول مجتمعة حوالي 40% من سكان العالم، وأكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتسعى المجموعة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين أعضائها، والتنسيق في القضايا العالمية مثل التغير المناخي، الإصلاحات الاقتصادية، والتنمية المستدامة.
في هذا المقال، سنستعرض الفوائد والمكاسب المحتملة التي قد تجنيها السلطنة من الانضمام إلى مجموعة البريكس، وسنناقش أيضًا التحديات التي قد تواجهها في هذا السياق.
ومن أبرز الفوائد التي يمكن أن تحققها سلطنة عمان من الانضمام إلى مجموعة البريكس هو تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأعضاء، إذ تعد هذه الدول من بين أكبر الاقتصاديات العالمية، ولديها قدرة هائلة على الاستثمار والتجارة.
ويمكن لسلطنة عمان أن تستفيد من توسيع نطاق تجارتها مع هذه الدول، وخاصة في مجالات الطاقة، التكنولوجيا، والبنية التحتية. أما من الجانب الاستثماري قد يساهم انضمام عمان للبريكس في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث إن أن دول البريكس تمتلك صناديق سيادية واستثمارات كبيرة في الخارج، ويمكن لعمان أن تصبح وجهة مفضلة لهذه الاستثمارات بفضل موقعها الاستراتيجي، استقرارها السياسي، وبيئتها الاستثمارية الجاذبة.
ومن خلال عضوية البريكس، قد تحصل عمان على تمويل ودعم لمشروعات البنية التحتية الكبيرة. تعتبر الصين والهند، على سبيل المثال، من الدول الرائدة في تنفيذ مشروعات البنية التحتية الكبرى في الدول النامية.
ويمكن لعمان أن تستفيد من هذه التجارب والتعاون لتطوير شبكات الطرق، الموانئ، والمطارات، مما يعزز من قدراتها التنافسية ويجعلها مركزًا لوجستيًا إقليميًا، ويمثل الأمن الغذائي والطاقة تحديات رئيسية للعديد من الدول، وعمان ليست استثناء، ويمكن أن يكون انضمام عمان إلى مجموعة البريكس فرصة لتعزيز التعاون في هذين المجالين.
كما يمكن لعمان أن تستفيد من الخبرات الواسعة للدول الأعضاء في مجموعة البريكس في مجال الزراعة والتكنولوجيا الزراعية، وعلى سبيل المثال، تعد البرازيل من أكبر الدول المصدرة للغذاء في العالم، ويمكن لعمان أن تقيم شراكات استراتيجية معها لضمان استقرار إمدادات الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي.
وتعتبر عمان دولة غنية بالموارد الطبيعية، وخاصة النفط والغاز. يمكن أن تفتح عضوية البريكس الباب أمام عمان لتوسيع تعاونها مع روسيا والصين في مجالات استكشاف وإنتاج النفط والغاز، وكذلك في تطوير مصادر الطاقة المتجددة. كما يمكن أن تساعدها في تحقيق التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على صادرات النفط.
وقد يسهم انضمام عمان لمجموعة البريكس في تعزيز مكانتها السياسية والدبلوماسية على الساحة الدولية، إذ تعد البريكس منصة مهمة للتنسيق السياسي بين دول الجنوب، وتسعى إلى تحقيق توازن أكبر في النظام الدولي، ويمكن أن يمنح الانضمام إلى البريكس عمان صوتًا أكبر في القضايا العالمية، ويسمح لها بلعب دور أكثر فعالية في صياغة السياسات الاقتصادية والتنموية العالمية، كما يمكن أن يساعدها في بناء تحالفات جديدة وتوسيع دائرة علاقاتها الدبلوماسية.
ويتيح انضمام عمان للبريكس فرصة لتعزيز استقلاليتها السياسية بعيدًا عن تأثير القوى الكبرى التقليدية، فالبريكس، بطبيعتها، تسعى إلى تعزيز النظام الدولي المتعدد الأقطاب وتقليل هيمنة الغرب على الشؤون الدولية، مما يتيح لعمان مساحة أكبر للمناورة واتخاذ قرارات تتماشى مع مصالحها الوطنية. رغم الفوائد العديدة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض التحديات التي قد تواجه عمان في حال انضمامها إلى مجموعة البريكس، حيث تتسم مجموعة البريكس بتنوعها الكبير من حيث الأحجام الاقتصادية، النظم السياسية، والأولويات الاستراتيجية، وقد تواجه عمان تحديات في التكيف مع هذه الديناميكيات المتباينة، وضمان أن تتمكن من تحقيق مصالحها ضمن هذا التحالف المتنوع،.
وقد تجد عمان نفسها في منافسة مع الدول الأعضاء الأكبر حجمًا من حيث الاقتصاد، مثل الصين والهند، ولتحقيق الاستفادة القصوى من العضوية، سيتعين على عمان التركيز على تطوير ميزات تنافسية فريدة والتعاون بفعالية مع الدول الأخرى لتحقيق أهداف مشتركة.
في عام 2023، قررت مجموعة البريكس توسيع عضويتها بضم ست دول جديدة – الارجنتين، مصر، أثيوبيا، إيران، المملكة العرية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة. هذا التوسع يعكس اهتمام البريكس بتعزيز التنوع الجغرافي والاقتصادي داخل المجموعة، مما يمنحها تمثيلًا أوسع على الساحة العالمية.د، وستسهم الدول الجديدة في تعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضائها وتعزيز نفوذ البريكس في القضايا العالمية، كما أنه يشير إلى اهتمام المجموعة بتعزيز حضورها في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية الكبيرة مثل الشرق الأوسط وإفريقيا.
ويمكن القول إن انضمام سلطنة عمان لمجموعة البريكس يحمل في طياته فرصًا كبيرة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية، وتحسين أمنها الغذائي والطاقوي، وتعزيز مكانتها السياسية على الساحة الدولية، ومع ذلك، فإن التحديات المرتبطة بعضوية البريكس تتطلب من عمان تطوير استراتيجيات فعالة للتكيف مع ديناميكيات المجموعة وضمان تحقيق مصالحها الوطنية، لكن في المجمل، قد يمثل انضمام عمان لهذه المجموعة خطوة مهمة نحو تعزيز دورها كلاعب رئيسي في الاقتصاد والسياسة العالمية.